العنف ضد المرأة، الأسباب والنتائج
العنف ضد المرأة، الأسباب والنتائج
حسين درويش العادلي
توطئة
رغم
الجهد الرئيس الذي تُقرّه الأديان والمذاهب الإنسانية في تأكيد الرحمة والرأفة
والرفق بين بني الإنسان، ورغم حجم الأضرار التي تكبدتها الإنسانية جرّاء اعتماد
العنف كأداة للتخاطب والتمحور، ورغم أنَّ أي إنجاز بشري يتوقف على دعائم الاستقرار
والسلام والألفة.. رغم هذا وذاك ما زالت البشرية تدفع ضرائب باهضة من أمنها
واستقرارها جرّاء اعتماد العنف كوسيلة للحياة.
إنَّ
رواسب المنهج الهمجي العدواني ما زالت عالقة في أذهان وسلوكيات البعض منّا في
التعاطي والحياة وذلك على أرضية منهج العنف المضاد للآخر والفاقد للسماحة والرحمة،
وإنها مشكلة قديمة جديدة لا تلبث أن تستقر في ساحتنا الإنسانية كل حين لتصادر
أمننا الإنساني وتقدمنا البشري، فرغم التطورات الهائلة في الذهن والفعل الإنساني
بما يلائم المدنية والتحضّر.. إلاّ أنه ما زلنا نشهد سيادة منهج العنف في تعاطي
بني البشر وبالذات تجاه الكائنات الوديعة كالمرأة، وإنه توظيف مقيت ذلك الذي يوظّف
مصاديق القوة لديه ليُحيلها إلى تجبّر وسيطرة من خلال العنف القسري المُمارس ضد
الأضعف.
إنَّ
دراستنا هذه تُسلّط الضوء على ظاهرة العنف ضد المرأة كأسباب ونتائج لإشاعة الوعي
الإنساني والوطني تجاه مخاطر هذه الظاهرة وإفرازاتها الكارثية، سيما وأنَّ المرأة
العراقية كانت وما زالت المتضرر الأكبر من العنف السياسي الذي جسده نظام الطاغية
صدام حسين سواء تمثل بعنف التصفيات المباشرة للنساء المعارضات أو بسبب استخدامهنَّ
كوسيلة للضغط على ذويهن أو بسبب أنماط العنف الاجتماعي والاقتصادي والقيمي الذي
وقعت ضحيته المرأة العراقية طوال عهود الاستبداد.
إننا
نؤمن أنَّ العراق الجديد هو عراق السلام والأمن والتناغم الإنساني النوعي وإنَّ أي
تحوّل جوهري في حياتنا لا يمكن الظفر به وفق أقيسة المناهج التقليدية التي أودت
بحياة إنساننا ووطننا، فكان لابد وأن نجهد لإستئصال كافة مكامن الإعاقة التي تشّل
تطورنا وتقدمنا الشامل، وتأتي مشاريع النهوض بالمرأة كوجود ودور ورسالة وبما
يُحررها من العنف على تنوع مصاديقه يأتي في طليعة المهام الواجب النهوض بها.
العنف
سلوك أو فعل إنساني يتسم بالقوة والإكراه والعدوانية، صادر عن طرف قد يكون فرداً
أو جماعةً أو دولة، وموجّه ضد الآخر بهدف اخضاعه واستغلاله في إطار علاقة قوة غير
متكافئة مما يتسبب في إحداث أضرار مادية أو معنوية لفرد أو جماعة أو طبقة اجتماعية
أو دولة أخرى.
لقد
أوضح آخر تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية أن العنف يكبد الدول خسائر مادية
ضخمة، وتشير الإحصائيات إلى أن الإصابات التي تنجم عن العنف تكلف الدول ما لا يقل
عن 4% من الناتج المحلي الإجمالي وذلك بالإضافة إلى المعاناة الجسدية والنفسية
المريرة، وقد جاء في التقرير الذي صدر بمناسبة اختتام مؤتمر لمكافحة العنف استمر 4
أيام في فيينا أن نحو 1.6 مليون شخص يموتون سنوياً بسبب إصابات ناجمة عن العنف،
كما يصاب ملايين آخرون بإصابات نفسية وجسدية مختلفة.
وتشير
الدراسة إلى أن العنف هو من أكثر العوامل المسببة للوفيات للفئة العمرية ما بين 15
و 44 عاماً، وتتفاوت النسب بين الذكور والإناث حيث تبلغ لدى الذكور 14% أما الإناث
فتبلغ 7%. كما توضّح الدراسة أنَّ الذكور عادة ما يتم قتلهم بواسطة أشخاص غرباء،
أما النساء فغالباً ما يتعرضنَّ للقتل على أيدي أزواجهن أو شركائهن. لقد
أشار التقرير إلى التكاليف الطبية والقانونية والقضائية والأمنية الباهظة بالإضافة
إلى الأضرار النفسية وفقدان القدرة على الإنتاج، وجاء فيه: إن السلفادور تنفق 4.3%
من ناتجها الإجمالي القومي على التكاليف الطبية المرتبطة بالعنف بينما تنفق
البرازيل 1.9% وبيرو 1.5%.
أما
في الدول الصناعية فالتكلفة مرتفعة للغاية، ففي أستراليا مثلاً تتكبد الدولة خسائر
مالية لا تقل عن 837 مليون دولار سنوياً، أما في الولايات المتحدة فتبلغ الخسارة
94 مليار دولار سنوياً.
العنف
ضد المرأة
سلوك
أو فعل موجّه إلى المرأة يقوم على القوة والشّدة والإكراه، ويتسم بدرجات متفاوتة
من التمييز والاضطهاد والقهر والعدوانية، ناجم عن علاقات القوة غير المتكافئة بين
الرجل والمرأة في المجتمع والأسرة على السواء، والذي يتخذ أشكالاً نفسية وجسدية
متنوعة في الأضرار.
ويتنوع
العنف ضد المرأة بين ما هو فردي (العنف الأنوي) ويتجسد بالإيذاء المباشر وغير
المباشر للمرأة باليد أو اللسان أو الفعل أياً كان، وبين ما هو جماعي (العنف
الجمعي) الذي تقوم به مجموعة بشرية بسبب عرقي أو طائفي أو ثقافي والذي يأخذ صفة
التحقير أو الإقصاء أو التصفيات، وبين ما هو رسمي (عنف السلطة) والذي يتجسد بالعنف
السياسي ضد المعارضة وعموم فئات المجتمع.
وحينما
تقع المرأة ضحية الإضرار المعتمد جرّاء منهج العنف فإنها تفقد إنسانيتها التي هي
هبة الله، وبفقدانها لإنسانيتها ينتفي أي دور بنّاءٍ لها في حركة الحياة. إنَّ من
حق كل إنسان ألا يتعرض للعنف وأن يُعامل على قدم المواساة مع غيره من بني البشر
باعتبار ذلك من حقوق الإنسان الأساسية التي تمثل حقيقة الوجود الإنساني وجوهره
الذي به ومن خلاله يتكامل ويرقى، وعندما تُهدر هذه الحقوق فإنَّ الدور الإنساني
سيؤول إلى السقوط والاضمحلال، والمرأة صنو الرجل في بناء الحياة وإتحافها بالإعمار
والتقدم، ولن تستقيم الحياة وتُؤتي أُكلها فيما لو تم التضحية بحقوق المرأة
الأساسية وفي الطليعة حقها بالحياة والأمن والكرامة، والعنف أو التهديد به يقتل
الإبداع من خلال خلقه لمناخات الخوف والرعب الذي يُلاحق المرأة في كل مكان.
إنَّ
العنف على تنوع مصاديقه كالعنف الشخصي والمنزلي وعنف العادات والتقاليد الخاطئة
وعنف السلطة وعنف الحروب.. يتطلب تشريعات قانونية وثقافة مجتمعية تحول دون
استمراريته لضمان تطور المجتمع بما في ذلك الحق في اللجوء لسبل الإنصاف والتعويض
القانوني، والحصول على التعليم والرعاية الصحية، والحماية من الدولة ومؤسسات
المجتمع المدني.
اليوم
الدولي للقضاء على العنف والواقع الفعلي
أعلنت
الجمعية العامة يوم 25 تشرين الثاني/نوفمبر اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد
المرأة، ودعت الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية إلى تنظيم أنشطة
في ذلك اليوم تهدف إلى زيادة الوعي العام لتلك المشكلة (القرار 54/134 المؤرخ 17
كانون الأول/ديسمبر1999).
وقد
درج أنصار المرأة على الاحتفال بيوم 25 تشرين الثاني/نوفمبر بوصفه يوماً ضد العنف
منذ عام1981، وقد استُمد ذلك التأريخ من الاغتيال الوحشي في سنة 1961 للأخوات
الثلاث ميرابال اللواتي كن من السياسيات النشيطات في الجمهورية الدومينيكية، وذلك
بناء على أوامر الحاكم الدومينيكي روفاييل تروخيليو 1936-1961.
ورغم
التطورات الكُبرى التي شهدها واقع المرأة دولياً منذ ذلك التأريخ، إلاّ أنه ما زال
العنف يلطخ جبين الإنسانية باعتباره وصمة عار في سجل المدنية الإنسانية، فواقع
الإنسانية يقول: إنَّ من بين كل ثلاث نسوة في العالم تتعرض واحدة على الأقل في
حياتها للضرب أو الإكراه على الجماع أو لصنوف أخرى من الاعتداء والإيذاء!! وهناك
أكثر من 60 مليون أنثى حُرمن من الحياة فأصبحن كالنساء (المفقودات) في العالم
اليوم من جراء عمليات الإجهاض الانتقائية الرامية إلى التخلص من الإناث وجرائم قتل
البنات في المهد!! ولا يمر عام إلا وتتعرض الملايين من النسوة للاغتصاب على أيدي
الأخلاء أو الأقرباء أو الأصدقاء أو الغرباء أو أرباب العمل أو الزملاء في العمل
أو الجنود أو أفراد الجماعات المسلحة!! وقد شاعت أعمال العنف ضد المرأة إبان
الصراعات المسلحة حتى صارت كالوباء المتفشي، وأصبح المدنيون وبالأخص النساء
أهدافاً رئيسة يستهدفها المقاتلون المسلحون، ففي جمهورية الكونغو الديمقراطية التي
مزقتها الحرب شاع الاغتصاب الجماعي وصار يمارس بصورة منهجية ووحشية إلى حد أن
الأطباء باتوا الآن يصنفون (التدمير المهبلي) باعتباره جريمة حرب.
أما
العنف العائلي فقد صار هو الآخر بلاء مستوطناً في جميع أنحاء العالم والأغلبية
الساحقة من ضحاياه هم من النساء والفتيات، ففي الولايات المتحدة- مثلاً- تشكّل
النساء نحو 85 في المائة من ضحايا العنف المنزلي.
وتُشير
آخر الدراسات أنَّ العنف ظاهرة عامة لكافة الطبقات المجتمعية والثقافية وأنه أسلوب
مُعتمد في التعاطي مع المرأة لدى المجتمعات النامية والمتطورة، فعلى سبيل المثال
تؤكد الأرقام أنَّ :
47%
من النساء يتعرضن للضرب في الأردن بصورة دائمة.
95%
من ضحايا العنف في فرنسا من النساء.
8
نساء من عشر ضحايا العنف في الهند.
وفي
استطلاع شمل 3000 رجل كرواتي اعترف 85% منهم بأنهم ضربوا نساء سواء خارج العائلة
أو داخلها.
وفي
مصر تتعرض امرأة واحدة من كل ثلاث نساء للضرب من قبل الزوج مرة واحدة على الأقل
خلال الزواج.
كما
أكّدت المنظمة الدولية للمرأة (يونيغم) أنَّ أشهر صور العنف الموجه ضد النساء
في أماكن مختلفة من العالم في الوقت الحالي هي عمليات الختان حيث تتعرض120 مليون
فتاة سنوياً لعملية ختان.
وتُشير
بيانات منظمة العفو الدولية إلى بعض أوجه العنف المُمارس ضد المرأة والذي يتخذ
صوراً مختلفة، منها:
-
عمليات الاغتصاب، إذ تتعرض له 700 ألف امرأة سنوياً في الولايات المتحدة
الأميركية.
-
نسبة عمليات قتل النساء على أيدي أزواجهن 50% من إجمالي عمليات القتل في
بنغلاديش.
-
في بريطانيا يتلقى رجال الشرطة مكالمة كل دقيقة من النساء اللاتي يتعرضن للعنف
داخل المنزل، يطلبن المساعدة.
-
في جنوب أفريقيا تتعرض 1411 امرأة يومياً للاغتصاب، وهو من أعلى المعدلات في
العالم.
-
والصورة الأخيرة من العنف الموجه للمرأة على مستوى العالم هو العنف في سوق
العمل، حيث تمارس النساء مهنة الخدمة في المنازل، أكدت ذلك دراسة أعدتها جامعة
كولومبو جاء فيها أنَّ سريلانكا تعد من أكثر دول العالم تصديراً للعاملات
المنزليات وأنَّ 25% من السريلانكيات واجهن مشاكل من خلال ممارسة هذه المهنة مثل
الاعتداء عليهن أو عدم دفع أجورهن.
كما
أكدت وزارة العمل السريلانكية أنَّ عدد الخادمات العائدات من الخارج بعد تعرضهن
للإيذاء يبلغ يوميا ً50 خادمة ويرجعن في حالة من المعاناة والانهيار التام.
العُنف
كوسيلة