-->

إتصل بنا

الإسم الكريم البريد الإلكتروني مهم الرسالة مهم

الجلسة المدنية و هيئة الحكم الجنحي


الجلسة المدنية و هيئة الحكم الجنحي


الجلسة المدنية و هيئة الحكم الجنحي

الجزء الأول: الجلسة المدنية


المحور الأول: الأساس القانوني لوجود و انعقاد الجلسات.

المحور الثاني: الإجراءات المتعلقة بالجلسة.

-         أولا: الإجراءات قبل الجلسة.
-         ثانيا: الإجراءات أثناء الجلسة.
-         ثالثا: الإجراءات بعد الجلسة.

المحور الثالث: قراءة في الإجراءات المرتبطة بالجلسة.

-         أولا: طبيعة الإجراءات.
-         ثانيا: مدى استقلالية كاتب الجلسة.

الجزء الثاني: هيئة الحكم الجنحي

المحور الأول: تشكيلة هيئة الحكم الجنحية.
المحور الثاني: عقد الجلسات و صدور الحكم أو القرار.

-         أولا: طريقة إحالة الدعوى العمومية، على المحكمة الجنحية.
-         ثانيا: الإجراءات داخل الجلسة.
-         ثالثا: وصف الحكم الجنحي.
-         رابعا: صدور الحكم الجنحي
-         خامسا: علنية الجلسات و سريتها.

المحور الثالث: الأحكام و القرارات و آثارها.

-         أولا: أنواع الأحكام و القرارات.
-         ثانيا: البيانات و المعلومات الواجب توفرها في كل حكم أو قرار.
-         ثالثا: آثار الأحكام و القرارات.
1-    فيما يتعلق بالحكم بالبراءة و إيقاف التنفيذ.
2-    فيما يتعلق بتشديد العقوبة.
3-    فيما يتعلق بفقد الاعتبار.






من إنجاز: محمد زين العابدين السملالي


يعتبر موضوع العرض من المواضيع المهمة لارتباطه أولا بالجانب القانوني، اعتمادا على النصوص القانونية و التشريعات المنظمة لمختلف الإجراءات و المساطر الخاصة بالجلسات المدنية و هيئة الحكم الجنحي، و لارتباطه
ثانيا بالميدان العملي، في علاقة ذلك بعمل القاضي و كتابة الضبط على حد سواء.
و قد تم تقسيم هذا العرض إلى جزءين:
-         الجزء الأول: متعلق بالجلسات المدنية و خاصة الإجراءات المرتبطة بها.
-         الجزء الثاني: فهو دراسة لموضوع هيئة الحكم الجنحي، مع ما يرتبط بها من مساطر و أحكام و قرارات.

الجزء الأول:
 ↚

الجلسة المدنية


تفتتح الدعوى المدنية عن طريق مقال افتتاحي، أو عن طريق المسطرة الإدارية من طرف المحافظة العقارية، و أيضا عن طريق التصريح بحادثة شغل في القضايا الاجتماعية و يمكن للمحكمة أن تضع يدها على الملف تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة طبقا للفصل 563 من مدونة التجارة في موضوع مساطر معالجة صعوبات المقاولة، كما تنشر الدعوى من جديد بمقال استئنافي أمام محكمة الاستئناف، و لا يتأتى للمحكمة إمكانية البث في الدعوى، إلا بعد استدعاء الخصوم للجلسة لسماع أقوالهم أو من ينوب عنهم في الموضوع، إلا إذا نص القانون على ما يخالف ذلك. و تعتبر الجلسات من الضمانات الأساسية التي منحها القانون للمتقاضين اعتمادا على الخصوصيات التي تتمتع بها، و المبادئ التي تتسم بها خاصة مبدأ العلنية من جهة، و اعتمادا على ما توفره الجلسة من جو النقاش و الإقناع و المواجهة من جهة أخرى، و تعتبر الجلسات المدنية من المحطات المهمة بالنسبة لأية محكمة، و قد أولاها المشرع أهمية كبرى أثناء الحديث عن تنظيمها و تشكلتها و كذا عن الإجراءات المتعلقة بها.
و للإحاطة بهذا الموضوع سأركز على ثلاث محاور، فالمحور الأول يتعلق بالأساس القانوني لوجود و انعقاد الجلسات، ثم الحديث عن المحور الثاني المتعلق بالإجراءات قبل الجلسة، أثناءها و بعدها، أما المحور الثالث فموضوعه قراءة في هذه الإجراءات.

المحور الأول:

الأساس القانوني لوجود و انعقاد الجلسات


بالإطلاع على قانون المسطرة المدنية، و الفصول الخاصة بظهير التنظيم القضائي لسنة 1974 و كذا القانونين المحدثين للمحاكم الإدارية و التجارية، نجد أن المشرع المغربي أعطى عناية كبيرة لموضوع الجلسات و هكذا فالفصل 42 من ق.م.م يشير إلى أنه: «  يمكن لقضاة المحاكم الابتدائية عقد الجلسات في كل الأيام عدا أيام الأحد و العطل » ، كما أن الفصل 43 من ق.م.م يؤكد على أن الجلسات تكون علنية إلا إذا قرر القانون خلاف ذلك، أما الفصل 147 ق.م.م، فيشير إلى أن المحكمة ستدعي الأطراف للمناقشة، و الحكم في غرفة المشورة بمجرد ما يحال عليها المقال الذي يجب أن يضاف إلى الأصل، أما الباب الأول من القسم السادس الخاص بالمسطرة أمام محكمة الاستئناف، فينص فصله 329 من ق.م.م على : « يصدر المستشار فورا أمرا يقضي بتبليغ المقال الاستئنافي للطرف الآخر، و يعين تاريخ النظر في القضية في جلسة مقبلة مع مراعاة الظروف الخاصة بها »، كما أن الفصل 345 من ق.م.م ينص على أنه « تنعقد الجلسات و تصدر قرارات محاكم الاستئناف من ثلاثة قضاة بما فيهم الرئيس »، أما الفصل 370 ق.م.م عن حديثه عن المسطرة أمام المجلس الأعلى فيشير إلى: « يحدد رئيس الغرفة جدول كل جلسة، و إذا كانت القضية ستدعي البث من طرف عدة غرف مجتمعة، فإن الرئيس الأول هو الذي يحدد الجدول ».
كما أنه بالاطلاع على مقتضيات الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 338-74 -1 بتاريخ 15-7-1974 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة، نجد الفصل الرابع يشير إلى موضوع و طريقة و تشكيل الجلسات بالمحاكم الابتدائية، كما أن الفصل 7 منه يتعرض إلى انعقاد الجلسات بمحاكم الاستئناف متطرقا إلى تشكلة الهيئة و أهمية حضور كاتب الضبط، في حين أن الفصل 11 منه يشير في معرض حديثه عن الجلسات بالمجلس الأعلى أنه: « يعقد المجلس الأعلى جلساته و يصدر قراراته من طرف خمسة قضاة بمساعدة كاتب الضبط بحضور ممثل النيابة العامة الذي يكون إلزاميا في جميع الجلسات »، أما بالنسبة للقانون رقم 53.95 القاضي بإحداث المحاكم التجارية فينص في فصله الرابع على أن المحاكم التجارية و محاكم الاستئناف التجارية تعقد جلساتها و تصدر أحكامها وهي متركبة من ثلاثة قضاة، من بينهم رئيس يساعدهم كاتب الضبط ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، كما أنه من خلال الاطلاع على فصول القانون رقم 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية نجد فصله الخامس ينص على: « تعقد المحاكم الإدارية جلساتها و تصدر أحكامها علانية، و هي متركبة من ثلاث قضاة يساعدهم كاتب الضبط، و يتولى رئاسة الجلسة رئيس المحكمة الإدارية، أو قاض تعينه للقيام بذلك الجمعية العمومية السنوية لقضاة المحكمة الإدارية، و يجب أن يحضر الجلسة المفوض الملكي للدفاع عن القانون و الحق ».

المحور الثاني:

إجراءات الجلسة

 ↚


إن عقد الجلسات المدنية هو عمل مشترك بين القاضي و كتابة الضبط، فإذا كان القاضي رئيس الجلسة هو الذي يسير الجلسة و يتخذ القرارات أثناءها، فإن كاتب الضبط هو الذي يقوم بالإجراءات السابقة و اللاحقة للجلسة، بالإضافة إلى تدوينه ما يروج الجلسة من مناقشات ووقائع.

أولا : الإجراءات قبل الجلسة.

لقد نصت الفصول 37 38 و 39 على عملية الاستدعاء سواء من حيث الطريقة، أو الشخص المسلم إليه، أو المحل، أو مدى قانونية هذا الاستدعاء. و تعتبر عملية الاستدعاء  من أولى الإجراءات التي لا غنى عنها، و ذلك حتى يتأتى للمحكمة وضع يدها على ملف النازلة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
و يمكن القول بأن الإجراءات ما قبل الجلسة هي مهمة تعود إلى  كتابة الضبط بشكل أساسي، فهي وعاء الإجراءات، و هي مكان لترتيب الملفات، كما أن جميع مرجوعات الاستدعاءات المنصوص عليها في الفصل 39 من ق.م.م، فهي تعرف طريقها نحو كتابة الضبط، سواء قام بالعملية الأعوان القضائيون، أو أعوان تنفيذ المحكمة، بالإضافة إلى ذلك فإن سجل الجلسة يتم مسكه من طرف كاتب الضبط.
و تجدر الإشارة إلى أن مرجوعات الاستدعاءات سواء المبلغة منها أو غير المبلغة و التي يتسلمها كاتب الضبط، ترتب حسب تواريخ الجلسات حتى تسهل عملية ضمها إلى الملفات عند اقتراب تهييئ الجلسة، و أن العناية بهذه المرجوعات تدخل في إطار عقلنة عمل كتابة الضبط، و بالتالي المساهمة في تصفية الملفات بشكل منظم و واضح و منتج.
إن الملفات المدرجة بالجلسة تشمل ثلاثة أنواع: ملفات المداولة أو التأمل ثم الملفات المؤخرة، و أخيرا الملفات الجديدة، و من الملفات التي يمكن إدراجها بجلسة المحكمة التجارية، ملفات الوقاية الخارجية و التسوية الودية، في إطار مسطرة صعوبات المقاولات، التي يستدعي لها رئيس  المحكمة التجارية رئيس المقاولة طبقا للفصل 548 من مدونة التجارة و من الملفات التي يمكن إدراجها بجلسة المحكمة الابتدائية ملفات الإحالة و هي الملفات المتعلقة بأحكام محاكم الجماعات و المقاطعات التي يطلب الطرف إحالتها على المحكمة الابتدائية إذا توفرت الشروط المنصوص عليها في الفصل 21 من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.74.339 الصادر بتاريخ 15-7-1974 المتعلق بمحاكم الجماعات و المقاطعات. و هكذا و بشأن الملفات المدرجة و قبل تسجيلها بسجل الجلسة، يقوم كاتب الضبط بترتيبها حسب أقدمية السنوات، ثم حسب الأرقام الترتيبية للملفات، حيث البدء بالأرقام الصغيرة  ثم الكبيرة.
و اعتقد شخصيا أنه من الصائب البدء في تهييئ الجلسة قبل تاريخها بثلاثة أيام على الأقل، و ذلك للحصول ما أمكن على جميع مرجوعات الاستدعاءات، هذه الأخيرة التي تعتبر مفتاحا لتصفية الملفات بالنسبة للقاضي و كتابة الضبط على حد سواء، فإذا تأكد كاتب الضبط أن هناك من الملفات، ما لم يتوصل بمرجوعات استدعاءاتها، فعليه الاتصال بالشعبة المختصة قصد التنسيق و البحث عنها.
بعد هذه المرحلة ينتقل كاتب الضبط إلى ترتيب وثائق الملف، حيث إن هناك عملية مهمة تخلت عنها مجموعة من المحاكم و المتمثلة في تقسيم الملف إلى قسمين، ملف الشكل و ملف الموضوع، فهذه العملية تسهل عمل كاتب الضبط، و القاضي، و المحامي على حد سواء، حيث  يقوم كاتب الضبط بفرز وثائق الملف التي لها علاقة بشكل الملف، و تلك التي تهم موضوع الملف، و من أمثلة محتويات ملف الشكل، نظائر الاستدعاءات، شهادة التسليم، و المطبوع الخاص بتعيين القاضي المقرر أو القاضي المكلف  بالقضية، أو المستشار المقرر، أما ملف الموضوع، فيضم المقال الافتتاحي و مرفقاته، و كل وثيقة لها علاقة بموضوع الدعوى، و كذا محضر الجلسة، هذا الأخير الذي يجب أن يتضمن عند فتح كل ملف جديد نوع المحكمة و اسم المدينة، رقم ملف القضية، بيان طبيعة الدعوى، تاريخ الجلسة باليوم و الشهر و السنة، و أخيرا هيئة الحكم سواء كان القضاء فرديا أو جماعيا بما في ذلك اسم كاتب الضبط بالإضافة إلى اسم المفوض الملكي إذا تعلق الأمر بالمحكمة الإدارية طبقا للفصل 5 من القانون المنظم لها، و كذا اسم النيابة العامة إذا كانت طرفا رئيسيا في الدعوى، و تجدر الإشارة إلى أن هذه البيانات يجب أن يتضمنها أيضا كل محضر جديد للجلسة.
إن هذه المعلومات التي يجب أن يتضمنها محضر الجلسة أول الأمر قد تبدو للبعض أنها لا ترقى إلى أهمية ما يدون بالمحضر من وقائع و إجراءات، و لكن على الرغم من أن بعضها لم تنص عليها مقتضيات المسطرة المدنية، و خاصة رقم القضية، فإن الجدير بالذكر أن ما يسجل من هذا القبيل بمحضر الجلسة، يكمل ما أغفله الحكم أو القرار، كما أن تثبيت أعضاء الهيئة يمكن من معرفة ما إذا كانت مكونة بالشكل القانوني أم لا، و أن عدد أعضائها هو الواجب توفره للبث في النازلة و هكذا فإذا كان الأمر بما ذكر أعلاه، يتعلق بالبيانات الواجب تضمينها بمحضر الجلسة في ملف جديد، فإنه يتعين على كاتب الضبط إذا تعلق الأمر بملف رائج، أن يسجل عنه آخر مادون بالمحضر تاريخ الجلسة الجديد، و الإشارة إما إلى نفس الهيئة أو تضمين أعضاء جدد إذا كانت الهيئة جديدة.
بعد ترتيب الملفات و مرجوعات الاستدعاءات و كذا ترتيب و إضافة المذكرات و الوثائق بالملف، ينتقل كاتب الضبط إلى مرحلة تسجيل المعلومات الخاصة بالملف سواء بجداول خاصة أو بسجل الجلسات، هذا و قبل البدء في عملية التسجيل على كاتب الضبط التنسيق مع رئيس الهيئة أو مع القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر أو المستشار المقرر بشأن عدد و أرقام الملفات المراد تسجيلها و المنتظر إدراجها بالجلسة، لأنه جرت العادة على أن يتوفر كل قاض على مذكرة يسجل فيها عدد و أرقام الملفات الخاصة بكل جلسة تعود إليه، و بالتالي فإنها فرصة لكاتب الضبط للبحث عن الملف أو الملفات التي لا تضمها الجلسة المراد تسجيلها.
إن إعداد جدول قبل انعقاد الجلسة يضم أسماء الأطراف  و وكلاءهم و موضوع الدعوى و رقم القضية هو مراقبة من نوع آخر من طرف المحامين و المتقاضين لإدراج أو عدم إدراج ملفاتهم، حيث يكون هذا الجدول موقعا من طرف رئيس الجلسة، و كاتب الضبط، و ينسخ في أربعة نسخ قصد تعليق نسخة منها بباب قاعة الجلسة أو في اللوحة المعدة لذلك، و نسخة تسلم إلى نقابة المحامين، و نسخة تسلم للنيابة العامة إذا كانت طرفا رئيسيا في الدعوى، كما تسلم نسخة منه إلى المفوض الملكي إذا تعلق الأمر بمحكمة إدارية، و نفس المعلومات المضمنة بالجدول تسجل بسجل الجلسة مع الإشارة إلى أن ملفات المداولة أو التأمل تسجل أولا ثم الملفات المؤخرة و أخيرا الملفات الجديدة، و في إطار الحديث عن ملفات المداولة أو التأمل فإن كثيرا  من كتاب الجلسات عند تسجيلهم لها بسجل الجلسة يعطون لها عنوان الملفات المحكومة و هذا خطأ يجب تفاديه، لأنه ليس من المفروض إصدار حكم في جميع ملفات المداولة أو التأمل، بل يمكن للمحكمة أن تقرر الإخراج من المداولة أو التأمل أو تنص على التمديد.
لقد بحثت بشأن العبارة التي ينص عليها سجل الجلسة بضرورة تسجيل ملفات المداولة و التأمل أول الأمر و قبل الملفات الأخرى دون أن أجد سببا معينا و كافيا و مقنعا، فهل يعود السبب في ذلك إلى أن النطق بملفات المداولة أو التأمل يكون دائما في البداية و عند افتتاح الجلسة؟ أم أن السبب هو تسهيل إجراءات الجلسة؟ إلا أنه عمليا نجد أن كثيرا من كتاب الجلسات قد تخلوا عن هذا الترتيب، فأصبحت ملفات المداولة و التأمل تسجل بعد الملفات المؤخرة و الجديدة، و السبب في ذلك يعود إلى أن كثيرا من الأحكام يكون منطوقها أكبر من الحيز المخصص له بالسجل، عند تسجيل رقم و أطراف الدعوى فقط في انتظار تسلم ملفات المداولة أو التأمل، بحيث يفقد سجل الجلسة تنظيمه و رونقه، حيث يضطر الكاتب إلى المسح و التشطيب.

ثانيا: الإجراءات أثناء الجلسة.

 


 ↚

بعد تهييئ ملفات الجلسة كما سبقت الإشارة إليه ننتقل إلى الحديث عن الإجراءات أثناء الجلسة سواء في إطار القضاء الفردي أو الجماعي، و ذلك حسب نوع القضية و درجة المحكمة، ذلك أنه يجب أن تشكل الهيئة تشكيلا صحيحا، فإذا كان رئيس الهيئة هو من يسير الجلسة و يلقي الأسئلة و يقرر الإجراءات المراد اتخاذها، فإن كاتب الضبط هو من يقوم بضبط هذه المناقشات و يدونها بمحضر الجلسة دون زيادة أو نقصان، و هو من يشهد على صحة ما يروج بالجلسة، و ما أدلى بها من وثائق تسلمها هذا الطرف أو ذاك و بالتالي فإن كاتب الجلسة يشكل عنصرا أساسيا في تشكيل المحاكم و وظيفة العدل، حيث نجد أن المشرع المغربي يشير في كل مناسبة إلى كاتب الضبط عند حديثه عن تشكيل هيئة الحكم، و خاصة الفصول 4-7-11 من ظهير التنظيم القضائي لسنة 1974 و كذا فصول قانون المسطرة المدنية، و الفصل 5 من القانون المنظم للمحاكم الإدارية، و كذا الفصل 4 من القانون المحدث للمحاكم التجارية، كما أنه إذا كان لا يذكر صراحة ترتيب البطلان عن تخلف كاتب الضبط عن جلسة المحاكم الابتدائية و الإدارية و التجارية، نجده يتدارك الموقف حين حديثه عن تأليف و تنظيم محاكم الاستئناف حيث أشار الفصل 7 من ظهير التنظيم القضائي صراحة لترتيب البطلان عن تخلف كاتب الضبط، و هو فعلا نفس الموقف الذي سارت عليه محكمة الاستئناف بالناضور لما أبطلت الحكم الابتدائي الذي لم يشر إلى اسم كاتب الضبط، و ذلك في قرارها عدد 96 بتاريخ 27-2-2001  في الملف الجنحي عدد 169/99 ، و هو أيضا نفس الموقف الذي أكده المجلس الأعلى حينما قرر نقض الحكم الذي تلي في غيبة محضر ممثل النيابة العامة و كاتب الضبط، و ذلك من خلال القرار الجنائي عدد 96 صادر بتاريخ 14-11-1968.
كما أن الفقه بدوره أكد على مبدإ الشرعية التي يجب أن تتوفر عند تشكيل هيئة الحكم، و أكد على دور كاتب الضبط في هذه التشكلة، بل هناك من الفقهاء من رأى في حضور كاتب الضبط إلى جانب هيئة القضاء مصدرا من مصادر الثقة التي يجب أن يحضى بها عمل هذه الأخيرة.
و هكذا فإن رئيس الهيئة هو من يفتتح الجلسة باسم جلالة الملك حيث تتم المناداة على الأطراف أو من ينوبون عنهم، مع التذكير إلى أنه يجب أن يثار في آن واحد و قبل كل دفاع في الجوهر، الدفع بإحالة الدعوى على محكمة أخرى لتقديمها أمام محكمتين مختلفتين أو لارتباط الدعوتين، و كذا الدفع بعدم القبول و أيضا الدفع بحالات البطلان و الإخلالات الشكلية. مع الإشارة إلى أن المسطرة قد تكون كتابية و قد تكون شفوية، فإذا تعلق الأمر بالمسطرة الكتابية فإن كاتب الضبط يقوم بتسجيل نوع المذكرات المدلى بها أو المسلمة إلى  الأطراف و كذا الملتمسات، و الإجراءات المتخذة في هذا الصدد، أما إذا كانت المسطرة شفوية، فيكون دور كاتب الجلسة أكبر، فالشفوية إن كانت تهدف إلى مناقشة الحجج و الوثائق بصورة فورية لمساعدة القاضي على تكوين قناعته، فهي من جهة أخرى تعطي لكاتب الجلسة، مهمة تحويل هذه المناقشات الشفوية، إلى عبارات و جمل مكتوبة بمحضر الجلسة، يعتمد عليها القاضي في إصدار حكمه، و مهما كانت المسطرة كتابية أو شفوية، فإن هناك إجراءات تجب مراعاتها أثناء الجلسة، بالإضافة إلى وجوب احترام بعض الأسس القانونية اعتمادا على ما نصت عليه بعض فصول المسطرة المدنية و خاصة الفصول 32-50-51-343-345-375  و غيرها، و كذا مقتضيات المنشور الوزاري رقم 74 بتاريخ 11-5-1959 ، مع التأكيد على ضرورة أن يكون الخط واضحا، خاليا من كل تشطيب، و ألا يترك أي سطر فارغ للإضافة، مع مراعاة أن يكون الأسلوب بسيطا، و ألا تكون الألفاظ معقدة.
و هكذا و موازاة مع ما يدونه الكاتب في محضر الجلسة سواء تعلق الأمر بما يروج بالجلسة، أو بالإجراء المتخذ من طرف رئيس الهيئة فإنه يجب عليه الأخذ بعين الاعتبار البيانات التالية:
1-    تسجيل افتتاح الجلسة العلنية أو السرية باسم جلالة الملك طبقا للفصل 50 و 345 من ق.م.م.
2-    ذكر أسماء الأطراف الحاضرين و المتخلفين مع تسجيل استدعاءهم و توصلهم أو ما يفيد عدم التوصل طبقا للفصول 36-37-38-47-50-345-375 ق.م.م.
3-    تسجيل مختلف الإجراءات و ما راج داخل الجلسة، من تقديم للمذكرات و تبادلها بين الأطراف، أو تسجيل ملتمسات و دفوعات الأطراف، أو كل ملاحظة أدلى بها الأطراف سواء كانت شفوية أو كتابية.
4-    تسجيل إجراء بحث و كذا محاولة الصلح و ذلك في القضايا الاجتماعية، و أيضا تسجيل محاولة التصالح بين الزوجين إذا تعلق الأمر بطلب التطليق للضرر في ملف للأحوال الشخصية الفصل 212 ف.م.م و 56 ق.أ.ش.
5-    تسجيل الملتمسات و المستنتجات المقدمة من طرف النيابة العامة سواء كانت طرفا رئيسيا أو متدخلا أو مدخلا.
6-    الإشارة إلى تلاوة التقرير أو عدم تلاوته بإعفاء من الرئيس و بدون معارضة من الأطراف، إذا تعلق الأمر بجلسة أمام محكمة الاستئناف طبقا للفصل 345 ق.م.م.
7-    تسجيل تقديم المفوض الملكي لارائه المكتوبة و إذا كان الأمر شفويا فيجب تدوين هذه الآراء بمحضر الجلسة سواء تعلق الأمر بظروف الواقعة أو القواعد القانونية المطبقة عليها طبقا للفصل 5 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية.
8-    تسجيل الإجراء المتخذ  بشأن كل قضية، فإما أن تقرر المحكمة التأخير لاستدعاء الأطراف، أو إعادة الاستدعاء، أم لأجل منح مهلة لأحد الأطراف، أو تقرر إحالة الملف على القاضي  المقرر أو المستشار المقرر، أو تقرر التشطيب على القضية طبقا لما ينص عليه الفصل 47 ق.م.م، أو الأمر بإجراء بحث، أو تقرر حفظ الملف في القضايا الاجتماعية، أو تعلن بعد الأمر التخلي إذا كان القضاء جماعيا و استدعاء الأطراف من جديد أن الملف أصبح جاهزا فتقرر حجز الملف للمداولة أو التأمل إذا كان القضاء فرديا طبقا للفصول 46-333 ق.م.م.

هذا و تجدر الإشارة على أنه يتعين عند اختتام كل محضر للملف أن يتم التوقيع عليه من طرف كل من  رئيس الهيئة و كاتب الجلسة، و عادة ما تتم الإشارة من طرف الكاتب بمحضر الجلسة إلى صفة الموقع أي الرئيس و الكاتب. و بعد الانتهاء من مناقشة و دراسة جميع الملفات المدرجة بالجلسة يعلن رئيسها عن اختتام الجلسة و رفعها.
و موازاة مع ما يدونه الكاتب بمحضر الجلسة فإنه يقوم أيضا بتضمين الإجراء المتخذ بسجل الجلسة أيضا، إلا أنه عمليا عادة ما يصحب الكاتب معه فقط جدول الجلسة في انتظار نقل ما ضمنه به سجل الجلسة فيما بعد، و ذلك تفاديا للتشطيب أو التغيير الذي يمكن أن يطال سجل الجلسة.
و في إطار الحديث عن الإجراءات أثناء الجلسة، فالملاحظ أن محضر الجلسة المحرر من طرف كاتب الضبط يفرض نفسه بشكل واقعي و قانوني، ذلك أنه يدخل ضمن خانة الأوراق الرسمية التي لها قيمة إثباتية لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور طبقا للفصل 419 من ق ل ع و الفصل 92 و ما يليه من قانون المسطرة المدنية، فهو محرر من طرف موظف عمومي له صلاحية التوثيق.

ثالثا: الإجراءات بعد الجلسة.



 ↚

إن الإجراءات بعد الجلسة لا تقل أهمية عن تلك الواقعة قبلها أو أثناءها، فإذا كان الأمر يقضي بأن الإجراءات أثناء الجلسة هو عمل مشترك بين القاضي و كاتب الضبط، فإن الإجراءات قبلها و بعدها ترجع إلى اختصاص كتابة الضبط بشكل أكثر وضوح، و هكذا نجد أن أول عمل يقوم به كاتب الضبط بعد الجلسة، هو تضمينه للأحكام بسجل الجلسة مع تسجيل أيضا ما تم إخراجه من المداولة أو التأمل أو ما تم تمديده، حتى يتمكن المحامون و المتقاضون من الاطلاع عليها في أسرع و أنسب وقت. و بخصوص ملفات المداولة أو التأمل، فإنه إذا كان المنشور رقم 282 الصادر بتاريخ 2 مارس 1966 يحدد أن الآجال لا تتجاوز خمسة عشرة يوما للملفات المدخلة للمداولة و ثمانية أيام في حالة تمديدها، فإنه عمليا نرى أن هذه  الآجال لا تحترم في بعض الأحيان لأسباب مرتبطة بالقاضي نفسه، و غالبا ما يقوم كاتب الجلسة الحريص على ضبط ملفات الجلسة على إدراج أرقام الملفات في الآجال المذكورة إن لم يكن قد سبق تحديدها من طرف القاضي في أجل غير ذلك، و مراعاة منه لإجراءاته المسطرية، و لتتبع الملف ضبطا لسجلاته، أو يقوم كاتب الجلسة بتذكير القاضي بهذه الملفات التي طال حجزها في المداولة لما في ذلك من خرق لمقتضيات المنشور المذكور، حيث يعتبر القاضي هذا التصرف الصادر عن الكاتب هو بمثابة تدخل في اختصاصه و نوعا من الفضول، و اعتقد شخصيا أن مسألة آجال المداولة أو التأمل، و تمديدها هي من اختصاص القاضي، و ما على كاتب الجلسة إلا تضمين إجراءات التمديد في سجل الجلسة حتى يكون المحامي و المتقاضي على علم تام بمآل الملف.
و عند الانتهاء من عملية تضمين ما أسفرت عنه ملفات المداولة أو التأمل فإن كاتب الضبط يقوم بنفس التضمين بمحاضر الجلسات الخاصة بكل ملف، مع ضرورة الإشارة إلى تاريخ هذا الإجراء و هيئة الحكم، و عند الانتهاء من ذلك يتم التوقيع على هذه المحاضر من طرف رئيس الهيئة أو القاضي المكلف بالقضية و كاتب الضبط و من تم إقفالها طبقا للفصول 51.50 من ق م م.
إن الأحكام المسلمة إلى كتابة الضبط بعد النطق بها، قد تكون أحكاما متعلقة بالشكل أو بالموضوع و قد تكون أحكاما تمهيدية أو أحكاما تتعلق بالاختصاص النوعي أو المحلي، حيث يتم ترقيمها من طرف كاتب الجلسة، و يختار اللون الأحمر للأحكام في الموضوع و اللون الأخضر للأحكام التمهيدية، و نفس الشيء يقوم به على ظهر الملف، و بنفس اللون، مع الإشارة إلى تاريخ الحكم. و العبرة من ترقيم الأحكام من جهة و بلونين مختلفين من جهة أخرى، هي تسهيل عملية فرز نوع الأحكام، و كذا تبسيط عملية الإحصاء سواء الدورية أو السنوية الخاصة بالأحكام.
و عند الانتهاء من عملية الترقيم، يقوم كاتب الجلسة بعملية الإحصاء لعدد القضايا المحكومة، و تلك التي حجزت للمداولة أو التأمل، أو التي تم إخراجها أو تمديدها، و كذا الملفات التي تم تأخيرها، على أن يسجل هذا الإحصاء في الصفحة الأخيرة التي تقابل آخر رقم قضية مدرجة بالجلسة، و من تم يوقع سجل الجلسة من طرف رئيس الهيئة و كاتب الجلسة، و على كاتب الجلسة أن يقوم بعد ذلك بفرز أنواع الملفات المحكومة، حيث تخضع لعملية التسجيل في المطبوع الخاص بالإعلاميات، على أن يتم بعد ذلك طبع الأحكام و توقيعها من طرف رئيس الهيئة، و القاضي المقرر أو  المستشار المقرر و كاتب الضبط، مع الإشارة إلى أنه إذا عاق القاضي مانع أصبح معه غير قادر على توقيع الحكم و جب إمضاؤه من طرف رئيس المحكمة داخل أربع و عشرين ساعة من التحقق من وجود هذا المانع، و بعد الإشارة إلى أن منطوق الحكم مطابق للصيغة التي صدر عليها من القاضي الذي لم يتمكن من الإمضاء عليه و مصادق عليه من طرف كاتب الضبط، أما إذا حصل المانع لرئيس المحكمة اتخذ نفس الإجراء و تولى التوقيع عن الحكم أقدم القضاة، و في الوقت الذي يحصل المانع لكاتب الضبط يمضي القاضي وحده و يشير على ذلك، أما إذا حصل المانع للقاضي و للكاتب في آن واحد أعيدت القضية إلى الجلسة من أجل المناقشة و إصدار حكم. بعد عملية التوقيع وفق الحالات المنصوص عليها في الفصل 50 ق.م.م. توجه الملفات المحكومة في الشكل و في الموضوع فقط إلى إدارة التسجيل التابع لوزارة المالية بواسطة سجل مخصص لذلك قصد البحث و مراجعة ما يتعلق بالصوائر القضائية، أما تلك المحكومة تمهيديا، فتحال على الشعبة المختصة قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة.

و يتعين على كاتب الضبط بعد ذلك أن يقوم بعملية الفرز بشأن الملفات التي تم تأخيرها، سواء كان التأخير حضوريا أو من أجل الاستدعاء أو من أجل تنفيذ إجراء معين، فهكذا يتم ترتيب الملفات الحضورية بجلساتها الجديدة، ثم بعد ذلك يقوم كاتب الضبط بتنفيذ ما أمرت به المحكمة سواء تعلق الأمر بعملية الاستدعاء أو تعيين القيم، أو غير ذلك. أما إذا قررت المحكمة حفظ الملف فيقوم كاتب الضبط بترتيبه في انتظار إحضار الوثائق اللازمة لمتابعة الدعوى، فإذا تم ذلك أعطي للملف رقم جديد، أما في حالة التشطيب، فإن كاتب الضبط يرتب الملف و عليه أن ينتظر مرور شهرين فإذا لم يتقدم المدعى بطلب الإخراج من التشطيب أدرج الملف بعد مرور هذه المدة بالجلسة حيث يكون الحكم بإلغاء الدعوى على الحالة.

و تعمد بعض المحاكم إلى إحداث بطاقات خاصة بكل ملف من أجل تضمين مختلف الإجراءات الخاصة بها، من بدايتها إلى نهايتها، و تعمد أخرى و لنفس الغرض إلى إحداث ما يسمى بسجل المراقبة، و هو سجل غير نظامي لا يتوفر على نموذج معين، و الهدف من كل ذلك هو تمكين المحامين و المتقاضين، و كل من له مصلحة في الاطلاع على الإجراءات المتخذة في الملف من الحصول على المعلومات بكامل الدقة و السرعة.
و تجدر الإشارة إلى أن ما سبق ذكره بالنسبة للإجراءات بعد الجلسة تسري على جميع المحاكم من ابتدائية، و استئناف و إدارية مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات بعد المحاكم خاصة التجارية منها و الإدارية.

بالنسبة للمحاكم التجارية فقد كان الهدف من إحداثها هو الدفع بالنظام التجاري المغربي على مسايرة الركب العالمي، و تشجيع الاستثمار، و بالتالي فقد كان من الضروري خلق آليات تجعل من مؤسسة كتابة الضبط بهذه المحاكم تساير هذا الهدف، و تتجاوز ذلك النمط الذي تسير عليه كتابة الضبط لدى المحاكم الأخرى، لا سيما و أن هذه المحكمة لها اختصاصات مهمة لا تقتضي التعقيد بل وجوب التبسيط و السرعة و الفعالية في إنجاز الإجراءات التي لها خصوصيات معينة و مرتبطة بآجال قصيرة، فاستنادا إلى الفصل 8 من القانون المحدث لهذه المحكمة، فإنه يتعين على كتابة الضبط أن توجه الملف الذي شمله  استئناف الحكم المتعلق بالاختصاص النوعي إلى محكمة الاستئناف في اليوم الموالي لتقديم مقال الاستئناف، مع الإشارة إلى أن استئناف هذا الحكم يكون خلال عشرة أيام من تاريخ التبليغ، و بالتالي فإن مهمة كتابة الضبط هي الإسراع في مباشرة كل إجراء من شأنه أن يجعل الملف المشار إليه أعلاه جاهزا و في أسرع  وقت ممكن سواء من حيث التضمين أو التوقيع أو الطبع أو الجرد، كما أنه بعد أن تبث محكمة الاستئناف التجارية في الاختصاص، فإنه يتعين على كتابة ضبط هذه المحكمة و ضمن إجراءات بعد الجلسة  أن تعمل على تصفية و تهيئ هذا الملف، بحيث يجب أن توجهه إلى المحكمة المختصة داخل أجل عشرة أيام من تاريخ صدوره.
أما بالنسبة للمحكمة الإدارية، ففيما يخص الحكم المتعلق بالاختصاص النوعي، فقد أشارت المادة 13 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية، أنه على المجلس الأعلى الذي أحيل عليه ملف استئناف الحكم المتعلق بالاختصاص النوعي أن يبث في الأمر داخل أجل ثلاثين يوما تبتدئ من تسلم كتابة الضبط لملف الاستئناف،
و هي إشارة إلى قيمة الفترة الزمنية بالنسبة لصدور قرار المجلس الأعلى فبالأحرى بالنسبة لإجراءات   كتابة الضبط لدى  المحكمة الإدارية التي يتعين عليها ضرورة التعجيل بإرسال الملف، و ذلك بإنجاز جميع إجراءات بعد الجلسة في أسرع وقت ممكن.

المحور الثالث:

قراءة في الإجراءات المتعلقة بالجلسة.

أولا: طبيعة الإجراءات.


 ↚

من خلال الحديث عن الإجراءات المتخذة قبل انعقاد الجلسة أو أثناءها أو بعدها، يتأكد جليا على أن كتابة الضبط، تعتبر وعاء للإجراءات، و أنه إذا كان يبدو للبعض أن عمل كتابة الضبط هو عمل إداري محض، باعتبار أن هذا الجهاز يتمثل اختصاصه في استقبال الملفات و تهيئتها، و تنفيذ الأحكام الصادرة عن القضاة، و أن هذا الجهاز هو طاقم إداري تغلب على عمله فكرة الموظف العمومي العادي، فإن خصوصيات الإجراءات المتعلقة بالجلسة تستوجب الخوض في طبيعة هذه  الإجراءات، فإذا كان عمل القاضي هو أساسا ذات طبيعة قضائية، فهل يمكن القول كذلك بالنسبة لعمل كتابة الضبط؟
قد لا يختلف اثنان أن عملية إضافة مرجوعات الاستدعاء إلى الملفات، و تسجيل هذه الأخيرة بسجل الجلسة، و القيام بالإجراءات القبلية للجلسة هو عمل إداري محض إلى حد ما، إلا أن حضور كاتب الضبط أثناء الجلسة و تشكيله لهيئة الحكم إلى جانب جهاز القضاء، ثم تنفيذه للأوامر الصادرة عن القاضي قبل و بعد الجلسة يجعلنا ننظر إلى هذه المهام و هي تنصهر مع ما يقوم به القاضي من مهمة هدفها الوصول إلى الحقيقة و تحقيق العدل و الإنصاف من خلال إنتاج يكون موضوعه هو الحكم أو القرار.
إن المشرع المغربي من خلال الفصل الرابع و السابع و الحادي عشر من ظهير التنظيم القضائي لسنة 1974 و القانونين المنظمين للمحكمة التجارية و الإدارية و النصوص القانونية الأخرى نجده ينص على هذه الحقيقة و على هذا الدور ذي الطبيعة القضائية الذي يضطلع به كاتب الضبط، فقد أشار المشرع المغربي صراحة لترتيب البطلان عن تخلف مؤسسة كتابة الضبط في عرض حديثه عن تأليف و تنظيم محاكم الاستئناف الفصل 7 من ظهير التنظيم القضائي، و هو نفس الموقف الذي سار عليه قرار المجلس الأعلى في نقض حكم تلى في غيبة محضر ممثل النيابة العامة و كاتب الضبط، من خلال القرار الجنائي عدد 96 بتاريخ 14-11-1968 و من جهة أخرى فإذا كانت نسخة الحكم المحررة من طرف القاضي تتضمن وقائع القضية و التعليل، و منطوق الحكم، و أن كل جزء من هذه الأجزاء يكمل بعضه بعضا، إلا أن المجلس الأعلى في إحدى قراراته عدد 5585 ملف جنحي عدد 82649 بتاريخ 22 شتنبر 1983 ، ذهب أبعد من ذلك حينما اعتبر محضر الجلسة المحرر من طرف كاتب الجلسة و الموقع عليه من طرف القاضي و الكاتب بمثابة جزء يكمل ما أغفل عنه الحكم حيث جاء في قراره « إذا كان الحكم لم يشر إلى أسماء الشهود و ملخص شهاداتهم، و إلى أداء اليمين القانونية فإن محضر الجلسة الصحيح شكلا و الذي يتمم ما قد يكون أغفل عنه الحكم قد أشار إلى ذلك »، كما جاء في قرار مماثل للمجلس الأعلى عدد 1801 في الملف الجنحي عدد 48256 بتاريخ 24-11-1977 ما مفاده « إن تنصيصات الأحكام هو المعول عليها و هي موثوق بمضمونها ما لم يثبت زوريتها، و أن محاضر الجلسات إنما تعتبر إذا كانت صحيحة شكلا مكملة للأحكام لا مناقضة لها ».

ثانيا: مدى استقلالية كاتب الجلسة.
إن إشكالية مدى استقلالية الجلسة عن القاضي تطرح نفسها في كل وقت و حين و بالتالي أيمكن القول بأن كاتب الجلسة مستقل في تحرير محضر الجلسة بالصيغة و بالشكل الذي يبتغيه، أم يجب على القاضي فرض طريقته في كيفية تحرير المحضر، سواء من حيث إملاء النقط المهمة أو تنبيه الكاتب إلى ضرورة تدوين بعض الدفوعات و الملتمسات و الأجوبة التي يكون لها وقع على سير الإجراءات و الدعوى بصفة عامة.
إن إطلالة على الواقع العملي نجد أن نقاشات تدور بين القاضي و كاتب الجلسة حول هذه النقطة بالذات، بل نجد أن جلسات رفعت نتيجة تشبت كل طرف بقراره فيما يخص طريقة تدوين و تحرير محاضر الجلسات و في ظل انعدام نص صريح ينظم هذه النقطة، فالقاضي يرتكز في ذلك على أساس أنه هو رئيس الجلسة، و هو المسير لها و أنه لا يمكن أن يقوم بتحرير و إصدار حكم في المستوى المطلوب مشتملا على مواصفات الحق و العدل، إلا إذا كان المحضر محررا بشكل يتناسب مع هذه الأهداف، و متضمنا لكل ما راج في الجلسة، و ما اتخذ من إجراءات بدون زيادة أو نقصان.
أما كاتب الجلسة فيستند في ذلك على كون أن القاضي لا يمكن له أن يكون خصما و حكما في آن واحد، باعتبار أن كاتب الجلسة هو شاهد على جميع الأطراف بالجلسة، من قضاة و محامين و متقاضين و غيرهم.
إذا كان من المعروف على أن ممارسة مهام القضاء هي بمثابة ممارسة لصنعة أكثر منها تجليات لمستويات
ثقافية أو قانونية معينة إلى حد ما، فأعتقد أن مهمة كاتب الجلسة تسير في هذا السياق، و أنه لا يمكن أن نتحدث عن توازن في  العلاقة بين القاضي و كاتب الجلسة، إلا إذا كان هذا الأخير في مستوى هذه المهمة الجسيمة التي تتطلب منه حنكة و تجربة ميدانية  بالإضافة إلى توفره على مستوى و تكوين يجعلانه يضبط ما يروج في الجلسة بكل دقة و يترجم الحركات إلى جمل مكتوبة و الأقوال الشفوية إلى سطور معبرة و مع ذلك فإن ضرورة التوقيع على المحضر من طرف رئيس الجلسة يجعله يتحرى ما دون به قبل القيام بذلك حتى يكون مطمئنا لهذا التوقيع. و كثيرا ما يصدمنا الميدان العملي و نحن نشاهد كتابا للجلسات أقل مستوى من هذه المهمة، و أعتقد أن قيام رئيس الجلسة في هذه الحالة بإملاء الجمل و العبارات على كاتب الجلسة قصد تسجيلها بالمحضر، لن ينقص في شيء من مصداقية العمل القضائي و لن يهدد مفهوم الحق و العدل ما دام هذا الإملاء يتم أمام الملأ من محامين و متقاضين و جمهور، مع ضرورة الاحتفاظ بالمغزى الحقيقي من أن كاتب الجلسة هو الذي يدون بالمحضر كل ما يروج داخل الجلسة.
            

   الجزء الثاني:

 هيئة الحكم الجنحي.

 ↚
تشكل الجلسات الجنحية محطة مهمة من المحطات سواء الابتدائية أو خلال المرحلة الاستئنافية، و إذا كانت بعض الإجراءات التي تعرفها الجلسات المدنية في علاقة ذلك بجهاز كتابة الضبط تتشابه إلى حد ما مع تلك التي تعرفها الجلسات الجنحية، إلا أن طبيعة الميدان الجنحي، و خصوصياته تفرز لنا قواعد متميزة، سواء فيما يخص هيئة الحكم، أو عقد الجلسات و صدور الأحكام أو فيما يتعلق بطبيعة و نوعية الأحكام و القرارات و آثارها. و في هذا الجزء سأتناول الموضوع من خلال ثلاث محاور المحور الأول: « هيئة الحكم » المحور الثاني « عقد الجلسات و صدور الأحكام و القرارات » أما المحور الثالث فمضمونه: « الأحكام و القرارات و آثارها ».

المحور الأول:

تشكيلة هيئة الحكم الجنحية

إذا كانت الجلسات المدنية قد تخضع للقضاء الفردي أو القضاء الجماعي بالكيفية التي نص عليها القانون فإن الجلسات الجنحية تعرف أيضا قضاء جماعيا كما تعرف فرديا و خاصة في قضايا الأحداث طبقا للفصل 533 من ق.م.ج. و بالتالي فإنه يشترط في صحة انعقاد هذه الجلسات أن تتشكل هيئتها القضائية من عدد القضاة المقرر قانونا، و هكذا فهي تتكون من 3 قضاة يعتبر الأوسط منهم رئيس الجلسة أو من قاضي واحد إلى جانب ممثل النيابة العامة و كاتب الضبط.
و بإطلالة على نصوص قانون المسطرة الجنائية المغربي و بالرغم من أن هذه النصوص تشير صراحة إلى حضور كاتب الضبط ضمن هيئة الحكم، نجد هذه النصوص نفسها لا تضبط في بعض الأحيان مصطلحاتها بما يعكس إرادة المشرع الحقيقية، و كمثال على ذلك مقتضيات الفصل 533 من ق.م.ج. الذي ينص على ما يلي: « تتألف غرفة المشورة من قاضي الأحداث الذي يبث في القضايا بصفته قاضيا منفردا، بمحضر ممثل النيابة العامة و مساعدة كاتب الضبط ».
فمن خلال هذا الفصل نجد أن مصطلح الحضور يرتبط بالنيابة العامة في حين أن مصطلح المساعدة يعود إلى كتابة الضبط، فهل تعني عبارة المساعدة الحضور الإلزامي، و بالتالي تشكيل هيئة الحكم، خاصة إذا ربطنا حضور كاتب الضبط بغايته ألا و هي المساعدة على كشف الحقيقة، كما أن إعطاء النيابة العامة مفهوم الحضور، ليس كافيا لإبراز الدور الذي تلعبه في الميدان الجنحي خاصة و أنها هي المحركة للدعوى العمومية، و المسؤولية عن تتبع الإجراءات الجنحية بشكل عام، في الوقت الذي لم يستعمل المشرع المغربي هذا التمييز في فصول أخرى يشير فيها أيضا إلى تشكيل هيئة الكم و خاصة الفصل 418 من ق.م.ج. حيث ينص على « أن المحكم المختصة في الجرائم الجنحية تتركب من رئيس و قاضيين، و ممثل النيابة العامة و كاتب الضبط ». و كما ينص على نفس الشيء في الفصلين 436 و 466 من ق.م.ج.
و ارتباطا مع مفهوم حضور النيابة العامة إن كان إلزاميا أم لا ضمن هيئة الحكم في الجلسات الجنحية، فبالرجوع إلى مقتضيات فصول المسطرة الجنائية، نجد أن الأمر غير واضح بالشكل المتوخى، و كذلك الأمر بالنسبة لمقتضيات ظهير التنظيم القضائي، حيث ينص فصله الرابع على" يجب حضور النيابة العامة في الجلسات الجنائية تحت طائلة بطلان المسطرة و الحكم، يعتبر هذا الحضور اختياريا في جميع القضايا الأخرى" كما ينص الفصل 7 من نفس الظهير على:" يعتبر حضور النيابة العامة في الجلسة الجنائية إلزاميا تحت طائلة البطلان و اختياريا في القضايا الأخرى" في حين ينص الفصل 35 من ق.م.ج. على " تمثل النيابة العامة لدى كل محكمة من المحاكم الزجرية، و يحضر ممثلها في مناقشة الهيئة القضائية المكلفة بالحكم، و تصدر وجوبا جميع القرارات بمحضره"فهل يتعلق الأمر بخلط في المصطلحات أم في المعنى، خاصة و أن المشرع المغربي يشير و بشكل واضح مميزا بين الحضور الإلزامي في المادة الجنائية و حضورها الاختياري في غير ذلك من القضايا، و اعتقد أن عدم وضوح المعني في الحضور الإلزامي من عدمه له تأثير مهم لارتباطه بالنتائج و الآثار المترتبة عن تخلف مؤسسة النيابة العامة، و في مقدمتها بطلان إجراءات المحكمة و الحكم نفسه.
هذا و إن الواضح في هذه النقطة هو أنه إذا كان المشرع المغربي قد أغفل في بعض الفصول الزامية حضور النيابة العامة في القضايا الجنحية، عكس ما هو عليه الأمر بالنسبة للقضايا الجنائية فإن هناك فصولا أخرى، تتدارك هذا الإغفال بشكل أو بأخر، و أنه لا يمكن المنازعة في الدور الذي تقوم به النيابة العامة داخل الجلسة الجنحية سواء فيما يتعلق بإبداء الملاحظات أو الإدلاء بالملتمسات الكتابية أو الشفوية أو طرح بعض الأسئلة أو الإجابة عن بعض الدفوعات التي يثيرها الدفاع، و كذا دورها الهام في تتبع إجراءات الدعوى العمومية و مراقبتها ضمن الشروط المحددة قانونا.
و سواء تعلق الأمر بالقضاء الفردي أو الجماعي، فإنه يجب على المحكمة إصدار أحكامها أو قراراتها من طرف قاضي أو قضاة شاركوا في جميع جلسات الدعوى العمومية و إلا اعتبرت الأحكام باطلة طبقا للفصل 298 من ق.م.ج. ذلك أنه في الحالة التي يتخلف فيها قاضي أو أكثر بين القضاة المشاركين في الهيئة عن جلسة من الجلسات، يتعين إعادة المناقشة بشأنها من البداية، و اعتقد أن العبرة من ذلك هو أن إصدار حكم يجب أن يكون بناء على الاقتناع  الصميم من طرف القاضي أو القضاة المشكلين النقط بالحكم أو القرار. أما ممثل النيابة العامة ، فإن مبدأ وحدة النيابة العامة يجعل ممثلها في منأى عما هو عليه قضاة الحكم، حيث يمكن أن ينوب ممثل عن الأخر دون ترتيب أي أثر أو نتيجة معينة. أما بالنسبة لكاتب الضبط فإن تعويضه بآخر لا يطرح أي إشكال على أساس أن دوره في الجلسة هو تدوين ما يروج فيها من مناقشات و ما يتبادل فيها من مذكرات و وثائق.

المحور الثاني:


عقد الجلسات و صدور الحكم أو القرار

 ↚
إذا كانت الدعوى المدنية تفتح بناء على المقال الافتتاحي في أغلبها، فإن الأمر بالنسبة للدعوى العمومية يختلف شكلا و مضمونا، و ذلك نظرا لطبيعة النصوص المنظمة للميدان الجنحي، و كذا طبيعة الأفعال المرتكبة و الإجراءات و المساطر الواجب اتباعها و سلوكها، و للإشارة فإن النيابة العامة تلعب الدور الرئيسي في تحريك الدعوى العمومية، بالإضافة إلى ما قد يمارسه المطالب بالحق المدني من إثارة للدعوى العمومية عن طريق الشكاية المباشرة طبقا للفصلين 334و 335 من ق.م.ج.



أولا: طريقة إحالة الدعوى العمومية على المحكمة.

و هكذا فإن الدعوى العمومية تحال على المحكمة الجنحية من خلال الحالات الآتية:
1- بتقديم الشخص الظنين حالا على الجلسة في الحالة  التي يكون فيها متلبسا بالجريمة و ذلك بمجرد استنطاقه من طرف النيابة العامة، حيث يفتح له بما يصطلح عليه في الميدان العملي بملف جنحي تلبسي اعتقال.
2-عن طريق الإستدعاء المباشر الذي تسلمه النيابة العامة إلى المتهم عند الانتهاء من مرحلة الإستنطاق و إحالته على جلسة معينة في حالة سراح حيث يفتحه له بما يصطلح عليه في الميدان العملي بملف جنحي تلبسي اعتقال.
3- عن طريق شكاية مباشرة يتقدم بها المطالب بالحق المدني إلى صندوق المحكمة و في اسم رئيس المحكمة الابتدائية المختصة، حيث إنه بعد تحديد مبلغ الكفالة الواجب أداؤها من طرف رئيس المحكمة و المحدد عادة في مبلغ 100 درهم، و الذي يجب أداؤه من طرف المشتكي، عليه أيضا أداء المبلغ الجزافي و الصوائر القضائية بنسبة معينة حسب المبلغ الإجمالي المطالب به كتعويض،بحيث تعتبر المطالبة بالحق المدني من الشروط الأساسية لقبول هذه الشكاية، و لو كان المبلغ المطالب به درهما رمزيا فقط. كما أن الشكاية المباشرة تخضع لشكليات معينة و مدققة يجب احترامها تحت طائلة عدم قبولها في حالة تخلف هذه الشكليات، و منها على سبيل المثال إدخال العون القضائي للملكة، في حالة ما إذا المشتكي به موظفا خاضعا لنظام الوظيفة العمومية، و كذا احترام مقتضيات الفصل 72 من قانون الصحافة، و الذي ينص على شكليات معينة في الاستدعاء الموجه إلى المشتكى به، إذا تعلق الأمر بتهمة السب و القذف عن طريق الصحافة.   
4- في حالة التي يأمر فيها قاضي التحقيق بإحالة القضية على المحكمة الجنحية المختصة عندما يرى أن الأفعال المرتكبة من طرف الشخص الظنين لها صفة جنحية ضبطية أو جنحية تأديبية.
5- في الحالة التي تصرح فيها المحكمة الجنائية بعدم الاختصاص لكون الأفعال المتابع بها المتهم تكتسي صبغة جنحية.
6- في حالة عدم تقديم المتهم ملتبسا، أي في الحالة العادية، و هو ما يصلح عليه في الميدان العملي بقضايا الجنحي العادي، حيث تعمد النيابة العامة على استدعاء المتهم بطريقة عادية عن طريق أعوان التبليغ أو عن طريق الأعوان القضائيين كما هو عليه الحال في بعض المحكم، و ذلك دون أن يخضع المتهم لعملية الاستنطاق من طرف النيابة العامة.
7- لقد تضمن الفصل 393 من ق.م.ج. حالة أخرى و تتمثل في القضايا المتعلقة بالغابات، حيث ترفع الدعوى إلى المحكمة بطلب من إدارة المياه و الغابات.

ثانيا: الإجراءات داخل الجلسة.
إن أول عمل يقوم به رئيس الجلسة هو افتتاحها باسم جلالة الملك، ثم يشرع في المناداة على الأطراف  حيث ينادي أولا على المتهم أو المتهمين، ثم على المطالب بالحق المدني إن سبق له أن ادعى ضررا من جراء الفعل الجرمي و تقدم بمطالبه المدنية، كما يتأكد الرئيس من حضور المسؤول المدني عند الاقتضاء، و أيضا ينادي على شهود القضية إذا كان ذلك لازما لتنوير الحقيقة، كما ينادي على مساعدي الفضاء من دفاع المتهم أو المطالب بالحق المدني أو المسؤول المدني و كذا عند الاقتضاء ينادي على الخبير أو المترجم.
بعد  ذلك يشرع رئيس الهيئة في التحقيق من هوية الظنين، حيث تعتبر عملية مهمة بالنسبة لهيئة الحكم من جهة و تبسيطا للإجراءات المقبلة، خاصة تلك التي تقوم بها كتابة الضبط من جهة أخرى، فهيئة الحكم تتأكد من هوية الشخص الواقف أمامها حتى تتأكد من أنه هو المعني بالأمر، و أنه هو الشخص الذي أنجزت في حقه إجراءات المتابعة من مرحلة البحث التمهيدي إلى مرحلة عقد الجلسة، على أساس أن العقوبة الصادرة في حق المتهم هي عقوبة ذو صبغة شخصية، و أنه في الميدان العملي، قد يتجرأ بعض الأشخاص المتهمين على الإدلاء بأسماء أشخاص آخرين لدى الضابطة القضائية تهربا من انعكاسات الإدلاء بالهوية الحقيقية على مستقبل سوابقهم القضائية حيث إنه في هذا الإطار، نجد كثيرا من الأشخاص ما يبلغون بأحكام تتعلق بعقوبات صادرة في إسمهم دون ارتكابهم لأي فعل جرمي، و هكذا لتفادي هذا الإشكال فإن عملية التحقق من هوية الشخص المتهم ضرورية في علاقة ذلك بهيئة الحكم، و في ذلك حماية للشخص البريء.
أما فيما يخص أهمية التحقق من الهوية في علاقتها بعمل كتابة الضبط، فكثيرا ما نجد أن محاضر الضابطة القضائية تفتقد إلى عدة معلومات بخصوص هوية المتهم، و خاصة مكان الازدياد، و اسم الأبوين بالإضافة إلى عنوانه، بحيث يجب على رئيس الجلسة العمل على استكمال هذه المعلومات بواسطة عملية التحقق من الهوية و ذلك بتدوينها من طرف الكاتب بمحضر الجلسة، حيث لا يخفى على أحد أهمية هذه المعلومات سواء تعلق الأمر بالاستدعاء أو بتنفيذ العقوبة الحبسية و المالية، و أيضا فيما يخص ملء المعلومات الخاصة بالبطاقة رقم 1 المتعلقة بالسجل العدلي، حيث تحال هذه البطاقة على محكمة مكان ازدياد المتهم.
بعد ذلك يشرع رئيس الجلسة في تسييرها من خلال المناقشات و الإجراءات، بحيث و طبقا لمقتضيات الفصل 396 و حسب الحالة المنصوص عليها فيه يجب على رئيس الهيئة و قبل الشروع في استنطاق الشخص الظنين، أن يشعر هذا الأخير بأن له الحق في طلب أجل لتنصيب محامي للدفاع عنه، ففي الحلة التي يكون فيها الملف جاهزا للمناقشة يبدأ رئيس الجلسة في استنطاق المتهم إن كان حاضر، و يخبره بالتهمة الموجهة إليه، مع ما يلازم ذلك من تقديم الحجج، و إحضار أدوات الاقتناع إن وجدت، و الاستمتاع إلى الشهود. و بإطلالة على مقتضيات الفصل 306 من ق.م.ج. نجد أن هذا الأخير قد وضع ترتيبا لجريان المناقشات، حيث أنه بعد استنطاق المتهم يتم البدء بتقديم المطالب بالحق المدني لمطالبه، إن وجد مطالب بالتعويض عن الضرر، تم تقدم النيابة العامة ملتمساتها سواء الكتابية أو الشفوية، بعد ذلك يأخذ دفاع المتهم الكلمة و يليه المسؤول عن الحق المدني أو دفاعه إن اقتضى الحال، ثم تعطى الكلمة الأخيرة للمتهم الذي يكون آخر من يتكلم. بعدها يعلن رئيس الجلسة عن اختتام المناقشة، و يحجز الملف للمداولة أو التأمل، و إذا لم تتمكن المحكمة من النطق بالحكم أو القرار في الوقت المعين لذلك، تقرر التمديد إلى أجل آخر، على أن هذا الترتيب في التدخلات و المناقشات يمكن تغييره بقرار من الرئيس، أنه يتقرر ذلك بمقتضى قانون خاص.
و يجب التذكير، إلى أنه إذا كان تعيين محامي بجانب المتهم أمرا ضروريا في القضايا الجنائية، فإن الضرورة تنصب أيضا القضايا الجنحية، في حالة ما إذا كان المتهم حدثا أو مصابا بعاهة، قد تكون سببا في عدم الدفاع عن نفسه بالشكل المطلوب، أو أيضا في الحالة التي يتعرض فيها المتهم لعقوبة التغريب.
و في إطار الحديث عن المناقشات عند انعقاد الجلسة، تجب الإشارة إلى أنه إذا تعلق الأمر بدفوعات تستهدف التصريح ببطلان الاستدعاء أو الإجراءات أو كل ما يجب فصله أوليا، يجب إثارة ذلك قبل كل دفاع في جوهر القضية تحت طائلة عدم القبول، و في الحالة التي تقرر المحكمة رفض الدفع المثار و تستمر الجلسة يحق للطرف المتضرر من هذا الرفض أن يمارس و في وقت واحد طعنه ضد هذا الرفض و ضد الحكم الصادر في الموضوع.
إنه في الحالة التي لا تتمكن فيها المحكمة من إنهاء المناقشات أثناء جلسة واحدة تقرر تأخير القضية لتاريخ لاحق، كما يمكن للمحكمة البث في ملتمسات الدفاع أو الأطراف الرامية إلى طلب تأخير القضية سواء لاعداد الدفاع، أو لإحضار الشاهد أو للإدلاء بوثيقة أو حجة معينة، فإذا كان جميع الأطراف حاضرين، قررت المحكمة التأخير حضوريا بالنسبة للجميع مع تسجيل عبارة أن التأخير كان حضوريا مع إشعار الأطراف بتاريخ الجلسة المقبلة بمحضر الجلسة من طرف كاتب الضبط، كما يمكن للمحكمة و في ظروف معينة تأخير القضية لأجل غير مسمى، حيث تقوم كتابة الضبط بعملية الاستدعاء عند تعيين تاريخ جديد للجلسة.

ثالثا : وصف الحكم الجنحي.


 ↚
و في إطار الحديث عن الوصف الذي يعطى عند للحكم عند النطق به، و الذي يعتبر من البيانات المهمة التي يجب توفرها بنسخة الحكم أو القرار يجب القول بأنه في الحالة التي يتخلف فيها الشخص المستدعى قانونا عند توصله بواسطة الغير، غير أنه إذا التمس إعفاءه من الحضور و انعقاد الجلسة في غيبته، و ارتأت المحكمة عدم ضرورة حضوره شخصيا و أنه يمكن الاكتفاء بمحتويات الملف عند المناقشة، فإنها تقرر الشروع في دراسة الواقعة و مناقشة موضوعها، حيث تصدر حكما حضوريا في حق المتهم.
أما في الحالة التي يتوصل فيها المتهم بالاستدعاء بنفسه و بصفة قانونية و يتخلف عن الحضور دون الإدلاء بعذر مقبول فإن الحكم يكون بمثابة حضوري في حقه، و تطبق مقتضيات هذه الحالات على المطالب بالحق المدني و المسؤول المدني، كما أنه في الحالة التي لا يتوصل فيها المتهم بالاستدعاء أو في الحالة التي يتوصل فيها به و يكون هذا الاستدعاء مشوبا بعيب قانوني، فإن حضور المتهم بقاعة الجلسة و شروع المحكمة في مناقشة الدعوى العمومية يلغي حالة عدم التوصل من جهة كما أنه يلغي ما كان قد شاب الاستدعاء من خرق قانوني، أو ما طاله من بطلان.
أما في الحالة التي لا يعثر فيها على المتهم و ترجع شهادة التسليم بملاحظة أن العنوان أو الشخص غير معروفين، و بعد سلوك مسطرة الوكيل، و بعد اعتبار القضية جاهزة يصدر حكم أو قرار يكون غيابيا بوكيل.
و بإطلالة على الفقرة السادسة و السابعة من الفصل 371 من ق.م.ج. نجدها تتحدث عن حالتين خاصتين، يصدر فيهما الحكم بمثابة حضوري.

الحالة الأولى: عندما يصدر على المتهم  حضوريا حكم إعدادي أو تمهيدي برفض مطالبه في مسألة عارضة، ثم يصرح المتهم إذاك بأنه يعتبر نفسه متغيبا قبل الاستماع إلى النيابة العامة، فإن الحكم الذي يصدر في جوهر الدعوى يكون وصفه بمثابة حضوري.
الحالة الثانية: في حالة المتابعة بعدة تهم، إذا قبل المتهم حضور المناقشة في شأن تهمة واحدة أو عدة تهم، و صرح بأنه يعتبر نفسه بمثابة المتغيب فيما يتعلق بالتهم الأخرى، فإن وصف الحكم يكون أيضا بمثابة حضوري.

رابعا: صدور الحكم الجنحي:


 ↚
بعد اعتبار الملف جاهزا و بعد الانتهاء من المناقشة و استيعاب الواقعة من طرف الهيئة بشكل واضح و جلي، و بعد الاطلاع على محتويات الملف من حجج و وسائل الإثبات و أدوات الاقتناع و أجوبة الأطراف، يتولد لديها الاقتناع الصحيح من أجل اتخاذ القرار المناسب عند إصدارها للحكم أو القرار، و هكذا إذا رأت المحكمة توفر عناصر الإدانة لدى المتهم، تحكم بالعقوبة و تبث في المطالب المدنية، إذا تنصب الشخص كمطالب بالحق المدني، كما تحكم عند الاقتضاء بجميع العقوبات الإضافية المنصوص عليها في الفصل 36 من الفانون الجنائي مثل المصادرة أو نشر الحكم الصادر بالإدانة، كما يمكن للمحكمة أن تتخذ جميع التدابير الاحتياطية المنصوص عليها في الفصل 61 من القانون الجنائي، مثل الإقصاء أو المنع من الإقامة.
أما إذا لم تتوفر عناصر الإدانة ضد الشخص المتهم أو لم تكن للفعل المقترف من طرفه صفة مخالفة للقانون الجنائي على اعتبار انه لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص، فإن المحكمة تصدر حكما بالبراءة، و إذا كانت هناك مطالب مدنية مقدمة من طرف الضحية المنتصب كمطالب بالحق المدني، فإنها تصرح بعدم اختصاصها للبث في الدعوى المدنية التابعة، كما تبث عند الاقتضاء في طلب التعويض الذي يقدمه الظنين ضد المطالب بالحق المدني عن الأضرار اللاحقة به نتيجة هذه المتابعة التي انتهت ببراءته.
أما إذا لم يكن الحكم بالبراءة مبنيا على انتقاء عناصر الإدانة وحدها، بل كان مدعما بأحد أسباب سقوط الدعوى العمومية و المتجلية في موت المتهم، التقادم، العفو الشامل، إلغاء القانون الجنائي، بصدور حكم سابق لا تعقيب فيه، بإبرام مصالحة إذا كان ذلك منصوص عليه قانونا، أو بسحب الشكاية إذا كانت شرطا أساسيا لتحريك الدعوى العمومية، إذا كان الأمر على هذه الحالة، فإن المحكمة الزجرية تبقى مختصة للبث في الدعوى المدنية التابعة.
أما إذا تبين للمحكمة أن الظنين يستفيد من إحدى الأعذار القانونية المعفية من العقوبة المنصوص عليها في الفصل 49 من القانون الجنائي المغربي، فإن المحكمة تقرر إعفاءه من العقوبة و تصرح بعدم الاختصاص للبث في الدعوى المدنية التابعة، إذا كانت هناك مطالب مدنية.
و من جهة أخرى، فإن المحكمة الجنحية تبقى مختصة و تبث في القضية سواء بالإدانة أو بالبراءة وذلك في الأحوال الذي يتبين للمحكمة أن الفعل ليس له إلا صفة مخالفة، أما إذا تأكد للمحكمة الجنحية أن الفعل المرتكب من طرف الظنين له صفة الجناية صرحت بعدم اختصاصها و الإحالة على من له حق النظر، و تصدر المحكمة حالا عند الاقتضاء أمرا قضائيا بإيداع المتهم في السجن أو بإلقاء القبض عليه.   

خامسا: علنية الجلسات و سريتها:

إذا كان الأصل أن تتم الإجراءات و تدور المناقشات في جلسة علنية تحت طائلة البطلان، فإنه لا يمكن الاعتداد بهذا البطلان بصفة تلقائية، إلا بناء على طلب النيابة العامة، أو الشخص المتهم أو المطالب بالحق المدني إن وجد هذا الطلب الذي يقضي بتسجيل الإشهاد بعدم علانية الجلسة، هذا و تجدر الإشارة إلى أنه يمكن للمحكمة إصدار حكم بجعل الجلسة سرية إذا رأت في علنية الجلسة مسا بالنظام العام أو أن مجريات القضية لها علاقة بالأخلاق  و الشرف، و أنه من غير اللائق و المناسب حضور و استماع الجمهور إلى هذا النوع من المناقشات الفصل 303 ق.م.ج. و كما هو معلوم أيضا فإن جلسة الأحداث تكون سرية حتى يسهل التواصل بين الحدث و القاضي أثناء مناقشة القضية، فضلا على أنه عملا بمقتضيات الفصل 302 ق.م.ج. فيمكن لرئيس الهيئة أن يمنع كل الأحداث أو بعضهم من حضور مجريات الجلسة، إذا رأى أن حضورهم غير مناسب و ذلك ارتباطا بصغر سنهم، كما نص الفصل 540 من ق.م.ج. على نوع الأشخاص الذين يمكن قبولهم في مناقشات جلسة الأحداث ليلخص هذا الفصل في الأخير إلى أنه:"يمكن للرئيس أن يأمر في كل وقت و أن بانسحاب الحدث طيلة المناقشات كلها أو بعضها، و يصدر الحكم في جلسة علنية بمحضر الحدث".
و هكذا فإن مبدأ العلنية الذي هو من مميزات و مبادئ التنظيم القضائي المغربي، و الذي يعني انعقاد الجلسات بصورة علنية، و بحضور الجمهور بقاعة الجلسات، تبدو أهميته في الميدان الجنائي أكثر منه في الميدان المدني، إلا أن الحد من هذا المبدأ و استبعاده يمكن أن تلتجئ  إليهما المحكمة طبقا للفصلين 302 و 303 من ق.م.ج. كما رأينا سابقا، بل قد يصبح مثل هذا الاستبعاد مبدأ أساسيا في بعض القضايا كما جاء في مضمون الفصل 533 من ق.م.ج. فهل تغييب الجمهور عن جلسات التحقيق الإعدادي أو المحاكمة، معناه الاحتفاظ لها بكل الضمانات التي يخولها لها مبدأ العلنية؟
إن الأمر قد لا يبدو بسيطا خصوصا إذ اتخذنا وجهة الدولة التي تنحو نحو تعميق مبدأ العلنية، خاصة بالنسبة للنظامين الإيطالي و الإنجليزي، الذين يؤمنان بأن هذا المبدأ الديموقراطي سيجعل الشعب يقف على حقيقة سير الدعوى الجنائية و سلامتها.
انطلاقا مما سبق ألا يمكن القول بأن تشكيلة هيئة الحكم في جلسة سرية و المكونة من قضاة و ممثل النيابة العامة و كتابة الضبط يمكن أن تحد بشكل أو بآخر من خطورة هذه السرية، و بعبارة أخرى ألا يجب التأكيد على أن حضور كتابة الضبط أثناء انعقاد الجلسات، تجعل هذه المؤسسة الأخيرة تساهم في إعطاء هيئة الحكم نوعا من التوازن، و التكامل، و تعطي لمبدأ العلنية مفهومها الحقيقي و لو في إطار خاص، ذلك أنه نرى أن النيابة العامة إن كانت طبيعة عملها هي الدفاع عن الحق العام فإنها خصم شكلي أو من طبيعة خاصة، كما أن دور القضاء الجالس هو تسيير الدعوى و البحث عن الحجج و القرائن من خلال المناقشات لإصدار حكم محايد و نزيه، غير أن إدخال مؤسسة كتابة الضبط في المناقشات التي تجري داخل الجلسة التي يترأس أطوارها قاض من خلال ضبط و تدوين ما يروج بمحاكمة سرية بعيدة عن حضور الجمهور، هو بشكل أو بآخر استمرار لمبدأ العلنية في إقرار نظام سرية الجلسة و لو في إطار معين.
و بخصوص سرية انعقاد الجلسة نجد أن القانون الفرنسي أكد على أنه في مرحلة استجواب الحدث من طرف قاضي الأحداث، فإن حضور كاتب الضبط ليس إلزاميا و من المستحسن استبعاده، لما يمكن أن يحدثه هذا الحضور من تأثير على الحدث من حيث الإجابة على الأسئلة التي يمكن طرحها، و كذا تأثيره على تركيزه خلال المناقشات، و يرجع الفقه الفرنسي موقفه هذا إلى جعل هذه المسطرة مسطرة عادية خاصة، و أن قاضي الأحداث عند إدانته للحدث لا يتخذ إلا تدابير أقل خطورة.

المحور الثالث:


الأحكام و القرارات و آثارها

 ↚
إذا كان مفهوم الحكم مفهوما واسعا، و هو ما يتخذه القاضي من إجراء سواء بمحكمة ابتدائية أو استئنافية، و ذلك من أجل الفصل في النزاع اعتمادا على القوانين و التشريعات المطبقة، حسما لكل تداعي و تحقيقا للعدل و الإنصاف، و إذا كان المشرع لم يميز بشكل واضح بين الحكم و القرار، فإن ما هو متعارف عليه أن الذي تصدره المحكمة الابتدائية يعتبر حكما، بينما القرار هو ما يصدر عن محكمة الاستئناف.

أولا: أنواع الأحكام و القرارات:

و بالرجوع إلى أنواع الأحكام و القرارات، يمكن القول بأنها تشمل أنواعا مختلفة بحيث يمكن لمحكمة ابتدائية أن تصدر قرارا في طلبات عارضة تدرج بجلساتها، و هكذا فإن الأنواع التي يشملها الحكم أو القرار هي:
1( الحكم الباث في موضوع الدعوى العمومية، سواء بالإدانة أو البراءة أو الإعفاء، و سواء كانت النيابة العامة هي المحركة للدعوى أو كان المحرك لها هو المطالب بالحق المدني عن طريق الشكاية المباشرة، مع العلم أنه يمكن أن يكون مآل هذه الشكاية عدم القبول إذا لم تتوفر الشروط المطلوبة لذلك.
2( الحكم الباث في موضوع الدعوى العمومية، و في نفس الوقت حكم تمهيدي فيما يخص الدعوى المدنية التابعة كإجراء خبرة طبية مثلا، لتحديد نسبة الضرر و خطورته.
3( حكم تمهيدي قبل البث في موضوع الدعوى العمومية، كإجراء خبرة طبية بواسطة خبير مختص في الأمراض العقلية لتحديد ما إذا كان المتهم مسؤولا عن أفعاله الجرمية أم لا.
4( الحكم بعد الاختصاص إذا كان الفعل مثلا يكتسي صفة الجناية.
5( الحكم بجعل الجلسة سرية إذا كانت علنية الجلسة تكتسي خطر على النظام أو الأخلاق
 )الفصل 303 ق.م.ج.( .
6( الحكم الصادر في الدعوى المدنية التابعة.
7( الحكم المدعم بأسباب و ذلك بطلب من النيابة العامة قصد إيداع الظنين في السجن إذا كان في حالة سراح و حاضرا بالجلسة أو بإلقاء القبض عليه إذا كان غائبا.
8( الحكم بإلغاء التعرض إذا تخلف المتعرض عن حضور الجلسة رغم توصله بصفة قانونية )الفصل 374 ق.م.ج.( .
9( قرار بمنح السراح المؤقت أو رفضه.
10( قرار باسترجاع رخصة أو استرجاع محجوز، أو برفضهما.
    
     هذا و تجدر الإشارة إلى أن محكمة الاستئناف في القضايا الجنحية المستأنفة، إما أن تصدر قرارا بالتأييد أو بتخفيض العقوبة الحبسية أو المالية، إذا كان المتهم هو المستأنف الوحيد اعتمادا على قاعدة لا يضر أحد باستئنافه. كما يمكن لمحكمة الاستئناف إصدار قرار بالتأييد الجزئي مع تعديل الباقي. كما يمكن لهذه المحكمة رفع العقوبة إذا كانت النيابة العامة المستأنفة الوحيدة للحكم الابتدائي أو بجانب المتهم، كما يمكن لمحكمة الاستئناف تعديل عقوبة واحدة و تأييد الأخرى، كما يمكن لها أن تصدر قرارا متعلقا بمنح أو رفض السراح المؤقت، و لها أن تبث أيضا تلقائيا أو بناء على طلب فيما يخص استرجاع رخصة السياقة أو استرجاع محجوز، أو إذا تعلق الأمر باستئناف مثل هذه الطلبات.
و تجدر الإشارة إلى أن طلبات السراح المؤقت و استرجاع رخصة السياقة أو محجوز، تدخل ضمن الطلبات العارضة التي يتقدم بها المعني بالأمر شخصيا أو بواسطة دفاعه سواء كانت شفوية أثناء انعقاد الجلسة أو كتابية بواسطة طلب، و يمكن تقديمها في كل وقت و حين سواء خلال المرحلة الابتدائية أو في مرحلة الاستئناف إذا تم استئناف الملف الأصلي. كما أن القرارات الصادرة بهذا الشأن لا تخضع لقاعدة سبقية البث، بحيث يمكن تجديد الطلب كلما تم رفضه من طرف المحكمة لأن العنصر الجديد في تجديد تقديم هذه الطلبات هو عنصر الزمن، مع الإشارة إلى أنه إذا كان البث في السراح المؤقت متوقفا على الإدلاء بطلب في هذا الشأن، فإن إصدار قرارات بشأن إرجاع الرخصة أو محجوز، يمكن أن يكون تلقائيا من طرف المحكمة موازاة مع صدور حكم أو قرار في الموضوع إذا ارتأت أنه ليس هناك في قرار الإرجاع ما يسبب ضررا سواء للأطراف أو لحسن سير العدالة.
إذا كان مبدأ العلنية من المبادئ الأساسية في التنظيم القضائي المغربي، على اعتبار أن هذا المبدأ يجعل الجمهور يحضر لمختلف جلسات المحكمة من أجل متابعة مجرياتها و مناقشاتها، دفعا لكل ريب أو شك في نزاهتها من جهة، و لتكون الأحكام الصادرة من طرف المحكمة الجنحية عبرة للآخرين من جهة أخرى، فإن هذا المبدأ يسري على طريقة إصدار الأحكام. حيث يجب على كل حكم أو قرار أن يصدر في جلسة علنية أمام الجمهور مع احترام الاستثناءات المنصوص عليها قانونا و خاصة الفصل 35 ق.م.ج. المتعلق بقضاء الأحداث، و ذلك بحضور ممثل النيابة العامة كما نص على ذلك الفصل 35 ق.م.ج. الذي جاء فيه "يحضر ممثل النيابة العامة في مناقشات الهيئة  القضائية المكلفة بالحكم، و تصدر وجوبا جميع المقررات بمحضر" كما يجب أن يكون النطق بالحكم بحضور كاتب الضبط أيضا، و في هذا الشأن فقد ذهب المجلس الأعلى إلى نقض الحكم الذي تلي في غيبة محضر ممثل النيابة العامة و كاتب الضبط و ذلك من خلال القرار الجنائي عدد 96 الصادر بتاريخ 14/11/1968.

ثانيا: البيانات و المعلومات الواجب توفرها في كل حكم أو قرار.
يجب أن يحتوي كل حكم أو قرار على بيانات و معلومات أساسية لا يمكن إغفالها من طرف هيئة الحكم و خاصة:
1( رقم الملف و تاريخ صدور الحكم و الفرار.
2( اسم المتهم أو المتهمين الشخصي و العائلي، مع تحديد هويتهم و عنوانهم و الفعل موضوع المتابعة و فصل أو فصول المتابعة، و كذا سوابقهم القضائية، و الإشارة إلى عدم مضي مدة التقادم.
3( اسم المطالب بالحق المدني أو المسؤول عن الحقوق المدنية إن وجدا.
4( تحديد وقائع القضية و تاريخها و مكان اقترافها، و كلها معلومات تؤخذ من محاضر الضابطة القضائية.
5( تسجيل حضور الأطراف أو تخلفهم و كذا مؤازريهم، مع تحديد مختلف الأجوبة و النقاشات التي لها علاقة بموضوع الحكم، مع تسجيل حضور المترجم و الشهود عند الاقتضاء.
6( التنصيص على إشعار المتهم بمقتضيات الفصل 396 من ق.م.ج. و جواب المتهم و ذلك وفق الحالة التي ينص عليها الفصل 395 من ق.م.ج.
7( تسجيل مرافعة النيابة العامة و كذا ملتمسها الرامي إما إلى الإدانة أو تطبيق فصول المتابعة أو إسناد النظر.
8( حيثيات الحكم أو القرار المتضمنة للأسباب الواقعية و القانونية التي يعتمد عليها القاضي في إصدار الحكم أو القرار.
9( الإشارة إلى ظروف التخفيف أو التشديد عند تخفيض أو رفع العقوبة.
10( تحديد منطوق الحكم أو القرار سواء في الدعوى العمومية فقط أو في الدعوى المدنية التابعة أيضا، و كذا في الأنواع الأخرى من الأحكام و القرارات، مع تحديد وصف الحكم أو القرار فيما إذا كان حضوريا أو بمثابة حضوري أو غيابيا أو غيابيا بوكيل، و كذا تبيان ما إذا كان الحكم أو القرار صدر في جلسة علنية أو سرية.
11( الإشارة إلى المصاريف التي تجب أن يتحملها الأطراف و كذا تحديد مدة الإكراه البدني في الأدنى أو الأقصى.
12( أسماء الهيئة من قاضي أو قضاة، و كذا ممثل النيابة العامة و كاتب الضبط.
13( إمضاء رئيس الجلسة و كذا كاتب الضبط على نسخة الحكم أو القرار دون ممثل النيابة العامة.

هذا و تجدر الإشارة إلى أن الفصل 352 من ق.م.ج. حدد الحالات التي تكون فيها الأحكام أو القرارات باطلة و هي كالآتي:

1-    إذا لم تصدر خرقا للفصل 298 من ق.م.ج. من عدد القضاة المنصوص عليه في القانون أو إن صدرت عن قضاة لم يشاركوا في جميع الجلسات المنعقدة للنظر في الدعوى.
2-    إذا لم تكن معللة بأسباب أو إذا كانت تحتوي على أسباب متناقضة.
3-    إذا أغفل عن منطوق أو إذا لم يكن يحتوي على البيانات المنصوص عليها في الفصل 348.

هذا و إن البيانات المشار إليها أعلاه تتعلق بوصف الحكم و تحديد علنية أو سرية الجلسة.
4-    إذا لم تصدر في جلسة علنية خرقا لمقتضيات الفصل 346 ق.م.ج. مع احترام طبعا مقتضيات الفصل 535 ق.م.ج. الخاص بقضاء الأحداث.
5-    إذا لم تكن تحمل التاريخ و إمضاء كل من رئيس الهيئة و كاتب الضبط مع بعض الاستثناءات المنصوص عليها في الفقرة 3 من الفصل 353 ق.م.ج. التي تنص على أنه :"إذا كان كاتب الضبط هو الذي أصبح غير قادر على الإمضاء فيكفي أن يمضي الرئيس مع الإشارة إلى ذلك."
و ارتباطا بحالات البطلان المشار إليها أعلاه، فإن من أهم المسائل التي يمكن مناقشتها هي الحالة الخامسة المتعلقة بتوقيع كاتب الضبط على نسخة الحكم إلى جانب رئيس الهيئة، في محاولة لتلمس الأساس القانوني لتشكيل هيئة الحكم، و أيضا الأساس الذي اعتمده المشرع لاشتراك هذا التوقيع بين كاتب الجلسة و رئيسها، تحت طائلة بطلان الحكم.
فكما نعلم فإن نسخة الحكم هي تحرير من طرف القاضي و أنها تهم القاضي و ليس كاتب الضبط. و يبدو أن تمسك المشرع بتوقيع كاتب الضبط على نسخة الحكم إلى جانب القاضي و بالنظر إلى الآثار المترتبة عن تخلفه  تأكيد على أن إقراره هذا، إنما من إلزامية حضور كاتب الضبط بالجلسة.
هذا وإن بطلان نسخة الحكم لتخلف توقيع كاتب الضبط تنسجم تماما مع بطلان إجراءات المحاكمة في حالة تخلف حضوره عن الجلسة، إلا أنه بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 353 ق.م.ج. نجد المشرع يتراجع عن الآثار المترتبة عن عدم توقيع كاتب الضبط لنسخة الحكم عندما نص "على أنه إذا كان كاتب الضبط هو الذي أصبح غير قادر على الإمضاء فيكفي أن يمضي الرئيس مع الإشارة إلى ذلك".
و بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 353 ق.م.ج. فإننا نرى أن هذا الفصل و خاصة في فقرته الأخيرة لا يستقيم معها المفهوم الحقيقي و كذا الآثر المترتب عن عدم توقيع كاتب الضبط، حين القول بالاكتفاء بإمضاء الرئيس فقط في حالة ما إذا أصبح كاتب الضبط غير قادر على الإمضاء، حيث تتضمن هذه الفقرة إشارة إلى عقوبة مالية في حالة  تسليم كتاب الضبط لنسخة من حكم أو قرار ما قبل إمضاء أصله، و ذلك دون التميز بين توقيع القاضي أو كاتب الجلسة، و الأكيد أن تحميل كتاب الضبط لهذه المسؤولية تنبع من أهمية التوقيع و دلالته الرسمية، و هو بهذا الشكل لا يمكن أن نميز في قوته بين توقيع القاضي و كاتب الجلسة، فكلاهما ينتجان الأثر القانوني، فالقاضي يوقع على نسخة الحكم باعتباره المسؤول عن جزئيات الحكم و منطوقه، و الكاتب يوقع على نسخة الحكم باعتبار ذلك إشهادا منه على صحة ما راج بالجلسة و ما دون بالمحضر المحرر من طرفه، و بصفة عامة يمكن أن نعطي لهذا التوقيع المنجز من طرف الرئيس و كاتب الضبط، مفهوم الشهادة على صحة تشكل هيئة الحكم.

ثالثا: آثار الأحكام و القرارات:


 ↚
إن آثار الأحكام و القرارات في الميدان الجنحي تختلف عنها في الميدان المدني، فالأحكام و القرارات الجنحية تنصب على حرية الشخص و ماليته، كما أن لها تداعيات مختلفة تمس ممارسة بعض الحقوق، كما تمس أخلاق المحكوم عليه و تفقده مروءته.

1( فيما يتعلق بالحكم بالبراءة و إيقاف التنفيذ.
إن من آثار الحكم أو القرار هو عدم متابعة الشخص من جديد في حالة الحكم عليه سواء بالبراءة عند انعدام أسباب الإدانة و عناصرها أو الحكم عليه بالإعفاء عند توفر أسبابه، و ذلك من أجل نفس الوقائع ، و لو كان لها تكييف قانوني آخر ) الفصل 348 ق.م.ج.( ، و هكذا فإن الحديث عن نفس الوقائع يعني عدم ظهور أي أحداث أو أدلة جديدة تتعلق بهذه الواقعة، التي من شأنها أن تشكل عناصر للإدانة أو تغير الصفة القانونية للفعل، كما يعني أن هذه الوقائع تتعلق بنفس الموضوع و بنفس الأطراف المرتبطة بالفعل، كما يعني أن هذه الوقائع تتعلق بنفس الموضوع و بنفس الأطراف المرتبطة بالفعل، و هكذا إذا تمت متابعة الشخص بتهمة السرقة طبقا للفصل 505 ق.م.ج. و ثبت للمحكمة عدم توفر أسباب أو عناصر الإدانة، و أصدرت حكما بالبراءة، و كذلك إذا حكمت بالإعفاء لتوفر أسباب ذلك، فإنه لا يمكن للنيابة أو المطالب بالحق المدني عن طريق الشكاية المباشرة متابعة هذا الشخص بتهمة خيانة الأمانة طبقا للفصل 547 ق.م.ج. إذا تعلق الأمر بنفس الوقائع.
و إذا كان الحكم بالبراءة ينفي عن الشخص التهمة الموجهة إليه، و أن الحكم بالإعفاء يجنبه الحكم عليه بعقوبة زجرية ، فإنه لا يمكن انتظار صدور قرار نهائي في هذا الشأن بل يجب إطلاق سراح هذا الشخص حالا ما لم يكن معتقلا من أجل سبب آخر.
كما يطلق سراح الشخص المعتقل حالا، إذا صدر في حقه حكم بعقوبة موقوفة التنفيذ دون انتظار صدور في قرار نهائي في حقه، إلا أن هذا الإيقاف الخاص بالعقوبة و إطلاق سراح الشخص المعتقل لا يعفيه من أداء صائر الدعوى و التعويضات المدنية، كما أن هذا الإيقاف لا يسري على العقوبات الإضافية أو فقدان الأهلية المترتب عن الحكم. مع الإشارة إلى أن الأثر السلبي لإيقاف العقوبة يبقى عالقا لمدة 5 سنوات ابتداء من صدوره الحكم أو القرار حائز لقوة الشيء المحكوم به، ذلك أنه إذا ارتكب الشخص المحكوم عليه بهذه العقوبة داخل أجل الخمس سنوات المشار إليها سابقا جناية أو جنحة، فإن الحكم النهائي بالحبس أو بعقوبة أشد بسبب تلك الجناية أو الجنحة، و لو كان صدور هذا الحكم بعد انصرام الخمس سنوات، يترتب عنه بقوة القانون إلغاء وقف التنفيذ هذا حيث يتم تنفيذ العقوبة الأولى قبل الثانية دون أن يخضعا لقاعدة الإدماج. و بالمقابل إذا لم يرتكب المحكوم عليه خلال هذه الفترة أي جناية أو جنحة يصبح الحكم بإيقاف التنفيذ و كذا العقوبات الإضافية و حالة فقدان الأهلية كأن لم يكونوا.

2( فيما يخص أثر الحكم أو القرار على تشديد العقوبة.

تعتبر حالة العود من الظروف المشددة التي نص عليها القانون الجنائي و خاصة من الفصول 154 إلى 160، و إذا كانت حالة العود تدفع القاضي إلى تشديد العقوبة المقررة في القانون، فإن ذلك ليس ناتجا عن ظروف متعلقة بارتكاب الجريمة كاقتران الفعل مثلا بظرفين على الأقل كما ينص على ذلك الفصل 509 من القانون الجنائي و لكن ذلك مرتبط بإجرام المتهم و سوابقه القضائية، و يعتبر الشخص في حالة العود عندما يرتكب جريمة، بعد أن  حكم عليه سابقا بحكم حائز لقوة الشيء المحكوم به، من أجل جريمة سابقة. فإذا كان قد حكم على الشخص من أجل جنحة بعقوبة الحبس بحكم نهائي ثم ارتكب هذا الشخص جنحة مماثلة، قبل مضي 5 سنوات من تمام تنفيذ تلك العقوبة أو تقادمها، يجب الحكم عليه بعقوبة مشددة و ذلك بالحبس الذي لا يتجاوز ضعف الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانونا للجنحة الثانية، مع الإشارة إلى أن الفصل 158 ق.ج قد ذهب إلى تحديد الجنح المماثلة لتقرير حالة العود.
و هكذا نرى أن الأثر السلبي للحكم الصادر بعقوبة الحبس في جنحة معينة، يبقى ساريا لمدة 5 سنوات، قبل تمام تنفيذ هذه العقوبة أو تقادمها، و إلا اعتبر المتهم في حالة العود و شددت العقوبة في حقه، إذا ارتكب داخل هذه المدة جنحة مماثلة، و لا يمكن إثبات حالة العود إلا بواسطة حكم نهائي، إلا أنه عمليا غالبا ما نجد أن النيابة العامة تعمد إلى متابعة المتهم في حالة العود، اعتمادا فقط على ما يتضمنه محضر الضابطة القضائية من إشارة إلى سوابقه القضائية، أو إلى المعلومات الخاصة بعدد محاضر البحث التمهيدي أو المساطر التي أنجزت في حقه، و أنه غالبا ما تنتبه المحكمة إلى هذه النقطة، فتقضي بإدانة المتهم دون اعتبار حالة العود، لخلو الملف من أي حكم أو قرار أو شهادة بعدم التعرض أو الاستئناف أو النقض، للقول بثبوت حالة العود في حق المتهم.
      
3( فيما يخص أثر الحكم أو القرار على فقد الاعتبار.
إن من نتائج و أثر صدور حكم أو قرار بالإدانة في حق المتهم هو تعرضه لحالة فقدان الاعتبار، و بالتالي فإن لذلك تأثير على ممارسة بعض الحقوق المخولة له قانونا، و أيضا مساس بأهليته.
و تجدر الإشارة إلى أنه بمجرد ما يصبح الحكم أو القرار بالإدانة نهائيا فإنه تنجز في حق المتهم البطاقة رقم 1 حيث تعتبر هذه الأخيرة مرجعا للسوابق القضائية المتعلقة بكل شخص تصدر في حقه عقوبة زجرية.
و تضم هذه البطاقة جميع المعلومات الخاصة بالمتهم، من تحديد للهوية الكاملة بالإضافة إلى عنوان المتهم، كما يسجل بها كل ما يتعلق بموضوع الحكم بالإدانة، خاصة رقم الملف و منطوق الحكم و وصفه، و المحكمة المصدرة له، و كذا اسم محكمة مكان ازدياد المتهم المراد إرسال هذه البطاقة إلى كتابة ضبطها، لترتيبها بشعبة السجل العدلي، كما ترسل نسخة منها على إدارة الأمن الوطني، أما إذا تعلق الأمر بشخص متهم أجنبي أو مغربي مزداد خارج أرض الوطن، فإن البطاقة رقم 1 ترسل إلى السجل العدلي المركزي بوزارة العدل.
هذا و قد ذهبت كثير من القوانين و التشريعات سواء المتعلقة بالمسطرة المدنية أو الجنائية أو تلك الخاصة بالوظيفة العمومية، أو القوانين المنظمة لبعض المهن الحرة إلى الإشارة إلى أثر الحكم أو القرار على ممارسة بعض الحقوق، و نتائج ذلك أيضا في فقد الأهلية و من ثم عدم القيام ببعض التصرفات مثل الشهادة. و هكذا فقد نص الفصل 75 من ق.م.م. على "لا تقبل أيضا شهادة الأشخاص الذين نص القانون أو أمر قضائي بأنهم عديمو الأهلية لتأدية الشهادة في كل الإجراءات و أمام  القضاء" كما نص الفصل 79 من ق.م.م على:" يمكن تجريح الشهود لعدم أهليتهم لأداء الشهادة أو القرابة القريبة أو أي سبب خطير آخر".
كما أنه بالرجوع إلى الظهير الشريف رقم 1.58.008 بتاريخ 24/01/1958 بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، و خاصة الفصل 21 نجده يتحدث عن الشروط الواجب توفرها في أي شخص يعين في إحدى الوظائف العمومية، و منها أن يكون متمتعا بالحقوق الوطنية و ذا مروءة، و نفس الشيء نصت عليه أيضا بعض القوانين المنظمة للمهن الحرة كالمحاماة و الأعوان القضائيين و التراجمة، و بالتالي فإن من أسباب عدم التمتع بالحقوق الوطنية و الاتصاف بالسلوك الحسن و المروءة صدور حكم أو قرار بالإدانة في حق الشخص.
إلا أن الأثر السلبي للحكم أو القرار بالإدانة المؤدي إلى الحرمان من ممارسة بعض الحقوق وفق الأهلية و الاعتبار لا يلازم الشخص طول حياته، حيث يمكن أن يرد اعتباره و يسترد حقوقه. فقد نص الفصل 730 من ق.م.ج على " أن كل شخص حكمت عليه محكمة زجرية بمملكتنا من أجل جناية أو جنحة يمكن أن تعاد له الحقوق التي حرم منها و يمحو رد الاعتبار هذا فيما يخص المستقبل العواقب الناتجة عن عقوبة عادلة و الحرمان من الأهليات المترتب عنها" مع الإشارة إلى أن رد الاعتبار قد يكون بحكم القانون و قد يكون قضائي.

جديد قسم : كتابة الضبط